تتوالى تداعيات الانهيار القياسي للعملة اليمنية مقابل الدولار منذ مطلع الشهر الحالي، في مؤشر ينبئ بتبعات قاتمة على كافة المستويات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية.
وتخطى سعر الدولار 1000 ريال يمني في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها، في حين يصل إلى نحو 600 ريال في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويقاسي اليمنيون من تداعيات هذا الانهيار بصورة رئيسية في رسوم تحويل الأموال بين المناطق اليمنية والمختل بفعل الانقسام المالي والنقدي في البلاد، إذ سجلت رقما قياسيا بلغ 66% للمبالغ المالية المحولة من مناطق الحكومة المعترف بها دولياً إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. كما شملت لائحة ضحايا تدهور الريال اليمني قطاعات الأعمال ولا سيما التجّار والمستثمرين.
وساهمت هذه التداعيات بتفاقم معاناة اليمنيين الذين تكدرت حياتهم خصوصاً مع اقتراب عيد الأضحى، في ظل مناشدات واسعة لإيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة التي يرى خبراء اقتصاد ومراقبون، في حديثهم لـ"العربي الجديد"، أنها إحدى أبشع صور النهب التي يتعرض لها اليمنيون وقطاعات الأعمال التجارية والاقتصادية.
صدمة المواطنين
وأفاد مواطنون وعمال في العاصمة المؤقتة عدن ومناطق في جنوب اليمن بعدم قدرتهم على إرسال مصاريف لمساعدة أسرهم التي تقطن في المناطق الأخرى من اليمن على تلبية احتياجاتها الغذائية وشراء متطلبات العيد، كما هو حال المواطن جعفر الريمي، الذي يعمل في قطاع البناء في عدن.
وقال الريمي إنه يشعر بصدمة جعلته يتردد في تحويل مبلغ يقدر بنحو 50 ألف ريال إلى أسرته في محافظة ريمة، شمال غربي اليمن، إذ إن المبلغ الذي سيتم تحويله، وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، لن يتجاوز 20 ألف ريال بعد حسم رسوم التحويل بسبب فارق سعر العملة بين المناطق المختلفة داخل البلاد.
والأمر مماثل بالنسبة للمواطن معاذ الدعيس، والذي يعمل في فرن لبيع الخبز، حيث يصاب بالتوتر والقلق الدائم بسبب تدهور العملة المحلية، إذ يقول، حسب حديثه لـ"العربي الجديد": "لا جدوى من الانتظام في العمل بشكل يومي ما دام ما ستحصل عليه سيذهب للصرافين وشبكات تحويل الأموال".
ويشكو تجار ورجال أعمال بدورهم من هذه المعضلة التي تؤثر على الأعمال والحركة التجارية بين المدن اليمنية وتحويل رواتب الموظفين في فروع الشركات والمكاتب التجارية في المحافظات ونقل البضائع والسلع وعلى عملية توفير الأموال ومصارفتها بغرض استيراد الغذاء من الخارج.
ويدعو التاجر حسن المعلمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، مؤسسات القطاع الخاص للتحرك ومناقشة التراجع القياسي للريال مع الحكومة اليمنية وسلطة الحوثيين وكافة الجهات المعنية، نظراً لما يترتب عليه من تداعيات واسعة وقاسية لانفلات عداد رسوم التحويلات المالية على القطاع التجاري واضطراب حركة الأسواق.
فوارق سعر الصرف
يتذرع القطاع المصرفي وشبكات تحويل الأموال بالانقسام المالي وفوارق سعر الصرف ما بين المناطق اليمنية لرفع رسوم التحويلات المالية التي يتزامن صعودها مع انخفاض سعر صرف الريال مقابل الدولار المتسارع منذ مطلع الشهر الجاري في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، واستقراره في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأكد مسؤول في جمعية صرافي عدن لـ"العربي الجديد"، أن الجمعية تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة هذه التداعيات وضبط سوق الصرف وتبعات انهيار العملة على مختلف جوانب حركة التداول النقدي.
كما تعمل على ضبط شبكات تحويل الأموال بالتقيد بتوجيهات البنك المركزي وإلزامها بالتنفيذ الفوري لهذه التوجيهات، والتي من أهمها تقييد عمليات التحويل في شبكات الصرافة بما لا يتجاوز مليون ريال يمني أو ما يعادله من بقية العملات الأجنبية، والامتناع عن تجزئة الحوالات المالية كإجراء فوري يعرض أي شبكة لا تتقيد بها لإجراءات عقابية، إضافة إلى إيقاف كافة عمليات التغطيات بين الصرافين المتمثلة بالتحويل من حساب صراف إلى حساب صراف اّخر، مع إلزام كافة الشركات والشبكات والمنشآت الفردية بتنفيذه، وعدم كشف حسابات الوكلاء لدى الشركات وشبكات التحويل، والأهم السماح للشركات والمنشآت بأن تضع الأرصدة الكافية لدى الشبكات لاعتماد رصيد تسيير الحوالات.
استهداف ضرب العملة
الخبير المصرفي أحمد السهمي لا يرى انعكاسا لأي إجراءات، سواء من قبل الجمعيات والمؤسسات المصرفية الخاصة أو الحكومية المتمثلة بالبنك المركزي اليمني، على ضبط هذا التهاوي المريع للسوق النقدية في ظل توسع الفجوة بين المؤسسات الرسمية والخاصة وخروج السوق المصرفية عن السيطرة.
ويؤكد السهمي لـ"العربي الجديد"، أنه بدون احتياطي كافٍ من النقد الأجنبي يوضع في البنك المركزي لتغطية احتياجات الأسواق من الدولار فلا جدوى من أي حلول اّخرى، والتي تعتبر عبثية وتصب الزيت على نار انهيار العملة وتفاقم تداعياتها الواسعة.
وينبه الخبير المصرفي إلى "محاولات متعدّدة تستهدف ضرب العملة اليمنية، وكأن أيادي خفية تعمل على تنفيذها تتركز في القضاء على العملة الوطنية بعد تجزئتها لتحل محلها العملات الأجنبية في عملية التداول النقدي في البلاد".
في هذا الصدد، تكثف الحكومة اليمنية جهودها للحصول على تمويلات عاجلة من المانحين والصناديق والمؤسسات المالية الدولية، تستخدم وفق ترتيبات مشتركة مع هذه الجهات، كصندوق النقد والبنك الدوليين ومساعدة الحكومة على التدخل الفاعل لضبط السوق المالية والمصرفية.
وحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الأولوية ستعطى لتغطية احتياجات القطاع التجاري بغرض فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد احتياجات الأسواق من المواد الغذائية ووضع برامج فاعلة لتنظيم العلاقة بين المؤسسات المالية الرسمية والقطاع الخاص على المستويين التجاري والمصرفي.
ويشكو مواطنون من ارتفاعات سعرية واسعة منذ نحو أسبوعين حولت حياتهم المعيشية إلى جحيم مع اقتراب عيد الأضحى، فيما يرجع تجار ومتعاملون في الأسواق ومراقبون أسباب هذه الارتفاعات إلى تبعات هذا الصراع والانقسام المالي والمصرفي وما أحدثه من فوارق في سعر صرف العملة وأزمة التحويلات.
ويحذر خبراء اقتصاد من خطورة استمرار الانقسام المالي والمصرفي في اليمن، والذي يعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى تهاوي العملة اليمنية وارتفاع أسعار الغذاء وتردي الأوضاع المعيشية وتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم كما تصنفها الأمم المتحدة.