أباطرة المال يستنزفون ضحايا بيتكوين... مليارات تتبخر بعد "تغريدة" واحدة

19 مايو 2021
هبوط حاد لبيتكوين بعد ارتفاع غير مسبوق مطلع العام (Getty)
+ الخط -

على طريقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي حكمت تغريداته أسواق المال وكانت محركاً كبيراً إما لصعود الأسهم أو هبوطها في وول ستريت، يسير الملياردير إيلون ماسك رئيس شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية الأميركية على نفس النهج، فيما يتعلق بتحديد مصير العملات المشفرة، خاصة "بيتكوبن" و"دوجكوين" اللتين أضحتا مثار جدل واسع بعد أن تسببت تصريحات ماسك المتضاربة حول العملتين ومصيريهما في صعود قوي لهما قبل ارتطام مدو خلال الأيام الأخيرة إثر هبوط حاد لهما.

وفي أقل من شهر خسرت بيتكوين العملة الأشهر عالمياً والأكثر جذباً لرؤوس الأموال نحو ثلث قيمتها، وهي نفس القيمة تقريباً التي خسرتها "دوجكوين" ولكن في أيام معدودة أخيراً.

فقد وجه إيلون ماسك ضربة مفاجئة لهاتين العملتين قبل أيام، في موقف مغاير تماماً لتوجهاته قبل أقل من ثلاثة أشهر، لكن الضربة الأقوى انطلقت صوب بيتكوين، التي تعد الأعلى قيمة عالمياً، وخسارة ثلث قيمتها تعني ضياع أموال أعداد كبيرة من المستثمرين، خاصة الذين دخلوا السوق في الأشهر القليلة الماضية.

قبل ثلاثة أيام أعلن الملياردير الأميركي في تغريدة له على "تويتر" أن شركة "تسلا" قد تبيع أو باعت حيازتها من بيتكوين، وأنها لن تقبلها كعملة دفع في شراء سيارات تسلا، ليلغي بذلك قرار قبول العملة في عمليات الشراء، الذي أعلنه حينما كشف في فبراير/ شباط الماضي عن استثمار 1.5 مليار دولار في هذه العملة، ما دفعها لموجة صعود غير مسبوقة لتقترب من حاجز 63 ألف دولار في منتصف إبريل/ نيسان الماضي.

وتسارعت حدة المضاربات في العملات المشفرة، وعلى رأسها بيتكوين، حينما كشف العديد من أباطرة المال حول العالم، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، عن ضخ استثمارات فيها وروجوا لها على أنها مستقبل التعاملات المالية وإعلان قبولها في المعاملات التجارية لبضائع عدة.

ولم يكن رئيس شركة "تسلا" وحده من دخل على الساحة، وإنما شهدت أيضاً حضوراً للملياردير الأميركي اليهودي جورج سورس، المعروف باقتناصه الصفقات، خاصة المتعلقة بالكيانات المفلسة، أو التي تعاني من وضع مالي حرج، كما سارعت مؤسسات مالية كبرى لإعلان استثمار مبالغ كبيرة في بيتكوين خلال الأشهر الأولى من العام الجاري.

وتظهر تحركات أسعار العملات المشفرة أن أباطرة المال أضحوا يتحكمون في مصيرها، إما صعوداً أو هبوطاً، على الرغم من أن سوق هذه العملات كان يدور منذ ظهورها في فلك المستثمرين الأفراد حتى نهاية العام الماضي 2020.

ويدور سعر بيتكوين حالياً حول 42 ألف دولار، بينما كانت قد كسرت حاجز 62 ألف دولار في إبريل/ نيسان الماضي، لتخسر نحو 20 ألف دولار في شهر واحد، ما يعادل 32% من قيمتها، لتتبخر معها مئات مليارات الدولارات في العملة التي تتجاوز قيمتها السوقية التريليون دولار.

وقبل بضعة أيام، هوت عملة "دوجكوين" أيضاً إلى نحو 73 سنتاً، بعد تصريحات "ماسك" في البرنامج الأميركي الشهير (Saturday Night Live)، التي قال فيها إن هذه العملة مجرد "ضجة" و"مقامرة"، مما أثر على سعرها لتخسر نحو ثلث قيمتها في 24 ساعة فقط، بينما كان في السابق من أكبر المروجين لها.

و"دوجكوين"، التي بدأت كمزحة عام 2013، قفزت بأكثر من 20000% خلال العام الماضي، وفقاً لشركة "كوين جيكو". وكان ماسك من بين أكبر المساهمين في هذا الارتفاع، بعد أن أبدى إعجابه بالعملة التي أطلقها اثنان من المبرمجين، بغرض السخرية من سوق العملات الرقمية، واعتبرها كثيرون حينها "البديل الكوميدي" لعملة بيتكوين.

وقال كريس ويستون، رئيس الأبحاث في شركة "بيبرستون غروب"، العاملة مجال الوساطة في تداول العملات في مذكرة:" يبدو أن ماسك كان يتشاحن مع الجميع على تويتر خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتسبّب في بعض التقلبات الكبيرة في العملات المشفرة"، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية، مساء الاثنين الماضي.

لكن هناك من يرى أن الفكرة أبعد كثيراً عن المشاحنات فهي تدخل في إطار المضاربات الحادة وتوجيه السوق، حيث غالبا ما يعمد المستثمرون الكبار إلى دفع قيمة الأسهم أو العملات إلى الصعود الحاد حينما يكونون قد حازوا على كميات كبيرة منها ويرغبون في بيعها لتحقيق مكاسب طائلة، أو العمل على دفعها للهبوط مجدداً عندما يرغبون في العودة للشراء من جديد، ولكن عند نقاط تكون قد وصلت فيه القيمة إلى القاع لتحقيق أكبر مكاسب أيضا لدى البيع من جديد.

وفي خضم هذه المضاربات الحادة كانت بنوك مركزية حول العالم ومحللون ماليون قد حذروا من أن سوق العملات المشفرة جاهز للتراجع على أي حال بعد مكاسب ضخمة حققها العام الماضي والأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.

فعلى سبيل المثال، ما تزال عملة بيتكوين تتقدم بأكثر من أربعة أضعاف خلال هذه الفترة، كما ارتفعت "إيثر"، ثاني أكبر عملة مشفرة، بأكثر من 1500%، و"دوجكوين" بأكثر من 19000%.

وفي رصد لـ"العربي الجديد"، قفز سعر بيتكوين في أقل من 8 سنوات بأكثر من 5545%، حيث لم يكن سعرها يتجاوز 744 دولاراً في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013.

وكان لوسائل التواصل الاجتماعي دور فاعل في قفزات الأسعار التي سجلتها العملات المشفرة، لا سيما خلال العام الأول لجائحة فيروس كورونا الذي شهد ارتفاعاً في الإقبال على الاستثمار في بيتكوين وأخواتها والأسهم في أسواق المال.

ووفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، الاثنين الماضي، فإن القيود التي جرى فرضها لتحجيم جيش المستثمرين الهواة في بورصة نيويورك مطلع العام الجاري، دفع البعض من أصحاب المدخرات الأفراد نحو العملات المشفرة وشجعت تصريحات إيلون ماسك في اندفاعهم نحو هذه السوق شأن بعض الشركات والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة.

لكن التقلّب الأخير في أسعار بيتكوين بسبب تغريدات رئيس شركة "تسلا" تسبب في شكوك كبيرة لدى مديري صناديق الاستثمار التي كانت تبدي رغبة في دخول العالم الافتراضي للعملات، وفق ما نقلت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية عن مديري مؤسسات مالية ومحللين ماليين.

وقال جيسون برايد، كبير مسؤولي الاستثمار في الثروات الخاصة في صندوق "غلين ميد" Glenmede إن سياسة الصندوق بشأن الاستثمار في العملات المشفرة تقوم على "قاعدة العشرة أقدام التي تقتضي الابتعاد عنها".

وفي ظل التقلبات الحالية التي قد تطيح مدخرات الكثير من المستثمرين الأفراد ظهرت نصائح حول إمكانية الاستثمار في بيتكوين دون شرائها، وهو ما أشارت إليه وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير لها، لافتة إلى أن هناك طرقاً أخرى للرهان على مستقبل العملة المشفرة دون الاستثمار المباشر فيها.

وذكرت أن من المتوقع أن تتخذ لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قراراً العام الجاري بشأن الموافقة على صناديق المؤشرات التي تتبع بيتكوين، وفي الوقت نفسه، تحول العديد من الشركات المرتبطة بالعالم المشفر للملكية العامة، حيث اشترت بعض الشركات الكثير من بيتكوين، وتأثرت أسهمها بالتحرُّكات في سعر العملة المشفرة. ويعد الإدراج المباشر لشركة "كوين بيس غلوبال" في "ناسداك" الشهر الماضي، اختباراً لتلك الاستراتيجية.

لكن وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية قد حذرت في تقرير لها في مارس/ آذار الماضي من أن العملات المشفرة لا تزال تمثل في الغالب أدوات للمضاربة وليست وسيلة للتجارة أو الدفع، رغم الاهتمام الأخير بدعم ارتفاع أسعار بيتكوين.

كما حذر بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان" من اتباع المؤسسات الكبرى نهج شركة "تسلا" حينها بضخ استثمارات في العملات المشفرة، حيث كتب المحللون الاستراتيجيون في البنك بقيادة نيكولاوس بانيجيرتزوجلو في مذكرة: "المشكلة الرئيسية، الناتجة عن اتباع أمناء الخزينة بالشركات نموذج تسلا، تتمثل في تقلُّب عملة بيتكوين".

في المقابل تظهر تحركات أسواق المال وواقع العملات الافتراضية أن معنويات أباطرة المال حول العالم تبدو أكثر جشعاً في 2021، الذي لم تمض سوى أشهر قليلة على بدايته حتى تضخمت روح الثراء السريع من خلال مضاربات حامية في العملات الرقمية، وعلى رأسها بيتكوين، وكذلك الأسهم زهيدة السعر التي قلبت موازين سوق المال الأميركية في أيام معدودة مطلع العام الجاري.

المساهمون