3 تداعيات تزيد قلق آسيا الوسطى من الحرب الروسية في أوكرانيا

18 مايو 2022
سوق في العاصمة الأوزبكستانية طشقند، حيث تراجع دخل المهاجرين بروسيا (getty)
+ الخط -

تبدو دول آسيا الوسطى الأكثر قلقاً من تطورات الحرب الروسية في أوكرانيا التي بدأتها موسكو بسهولة وبحسابات عسكرية بنيت على احتلال كييف في أسابيع قليلة من دون اعتبار لتطوراتها الخطرة على مستقبل نفوذها الجيوسياسي وعلى مستقبل النظام العالمي السياسي والاقتصادي والمالي القائم منذ الحرب العالمية الثانية والذي ستدافع عنه واشنطن وحلفائها، ولن تسمح لموسكو بتغييره.

وما يقلق دول آسيا الوسطى التي يطلق عليها اسم "الحديقة الخلفية" لموسكو أنه لا يلوح في الأفق حتى الآن نهاية للحرب الروسية، وأن جميع سيناريوهات نهاية الحرب قد تعمل ضدها ما لم يتم تماماً هزيمة الجيش الروسي هزيمة ساحقة، وهو ما يبدو مستحيلا حتى الآن، إذ إن روسيا دولة نووية وقوية عسكريا.
وتقف دول آسيا الوسطى موقفا شبه محايداً من الحرب، حيث إنها لم تؤيد الغزو الروسي لأوكرانيا كما أنها لم تتبن العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو، وهي تراقب ما ستسفر عنه الحرب ذات الكلفة العالية على اقتصاداتها.
ودول آسيا الوسطى الخمس التي تخضع للنفوذ الجيوسياسي الروسي حتى بعد سقوط الإمبراطورية السوفييتية، هي كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمنستان.
وهذه الدول مع أنها نالت استقلالها في التسعينيات إلا أن اقتصاداتها لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الروسي، وبالتالي تبدو تداعيات العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا مؤثرة على نموها الاقتصادي وعلى أسواقها ومواطنيها والخدمات المقدمة لهم.
ووفق تحليلات غربية فإن هنالك ثلاثة عوامل اقتصادية سالبة ترتبت على اقتصادات دول آسيا الوسطى من الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من عقوبات غربية. وهذه العوامل هي اضطراب سعر صرف عملاتها المرتبطة بالاقتصاد الروسي، وتأثير ذلك على ارتفاع فاتورة الواردات، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم وغلاء المعيشة.
وهذا العامل ربما ستكون له كلفة سياسية مباشرة على الاستقرار السياسي لحكومات دول المنطقة التي شهدت بعضها احتجاجات عنيفة كادت أن تعصف بالحكومة الكازاخستانية حسب مراقبين.
أما العامل الثاني، فيكمن في تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي ودخل الأسر بسبب اعتماد العديد من هذه الدول على تحويلات المهاجرين العاملين في روسيا.
وثالث العوامل هو تأثير العقوبات الغربية والحرب على الاستثمارات والصادرات النفطية والمعدنية من هذه الدول التي يمر بعضها عبر روسيا إلى أسواق العالم.
على صعيد اضطراب العملات المحلية في الدول الخمس، تقول الخبيرة في معهد الشؤون الخارجية" تشاتام هاوس" في لندن، آنيت بوهر، "الحرب الأوكرانية لها تأثير كبير على اقتصادات آسيا الوسطى وعلى مواطنيها".
ولاحظت بوهر في دراسة على موقع " تشاتام هاوس"، أن عملة كازاخستان، كبرى دول آسيا الوسطى، "تينغ" تراجعت بنسبة 20% بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا. كما أن هنالك مخاوف غربية من استغلال روسيا لنفوذها في آسيا الوسطى من أجل التهرب من العقوبات الغربية.

في هذا الشأن، يرى الخبير في وحدة دراسات "إيكونومست إنتيلجينس يونت" في لندن، ماريو بيكاريسكي، أن "روسيا ربما ستضغط على كازاخستان المجاورة لها لاستخدامها للتهرب من العقوبات الغربية".
وكازاخستان دولة نفطية، ولا يستبعد محللون أن يتم استخدام خاماتها في التمويه على الخامات الروسية في السوق العالمي في حال فرض العقوبات الأوروبية على النفط الروسي، فالنفط الكازاخستاني يُصدّر عبر الموانئ الروسية.
ومنذ بداية الحرب على أوكرانيا في نهاية فبراير الماضي، لاحظ محللون أن المواطنين الروس، فتحوا نحو 12 ألف حساب في البنوك الأوزباكستانية في شبه " سياحة بنكية" روسية في آسيا الوسطى.
على صعيد تحويلات المهاجرين بالدول الآسيوية الخمس، يشير معهد الشؤون الخارجية " تشاتام هاوس" أن لدى دول آسيا الوسطى نحو 7.8 ملايين مهاجر يعملون في روسيا. وتقول الخبيرة بوهر في تحليلها، إن هؤلاء المهاجرين تعتمد عليهم الأسر في آسيا الوسطى كما أنهم يمثلون نسبة كبيرة من الناتج المحلي لاقتصادات الدول الفقيرة منها. وحسب بوهر، تمثل تحويلات المهاجرين من آسيا الوسطى في روسيا نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي في طاجيكستان و12% من الناتج المحلي لاقتصاد أوزبكستان و25% من الناتج المحلي لاقتصاد قيرغيزستان. وبالتالي فإن خسائر هذه الدول لهذه التحويلات ستكون كبيرة على النمو الاقتصادي.
وفي ذات الصدد، تشير بيانات البنك الدولي الأخيرة إلى أن هنالك نحو 4.5 مهاجر في روسيا من أوزبكستان فقط. ويتوقع البنك أن تتقلص تحويلات المهاجرين خلال العام الجاري 2022 بنسبة تفوق 20% في طاجيكستان وبنسبة 33% في قيرغيزستان، وهو ما سيعني تلقائياً ارتفاع نسبة البطالة وزيادة الفقر.
لكن الخطر الأكبر الذي ستتركه الحرب الأوكرانية وفق محللين هو عدم الاستقرار السياسي في آسيا الوسطى وتداعياته على صعيد الاستثمارات في قطاعات النفط والمعادن التي تسيطر عليها الشركات الروسية والصينية.
وبعد الغزو تعاني الشركات الروسية المستثمرة في دول آسيا الوسطى من صعوبات في الإنتاج والتصدير كما هو حادث الآن في أرمينيا، حيث خسرت مجموعة روسال العملاقة في صناعة الألمونيوم نسبة 50% من صادراتها للولايات المتحدة، ما يعني خسارة هائلة للوظائف. وتراجعت صادرات النفط الكازاخستانية في مارس/آذار الماضي بسبب أعطال سببتها الحرب في مارس/آذار الماضي.

المساهمون