ذكرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أن شركة آبل الأميركية طلبت من مورديها في تايوان ختم منتجاتهم بملصقات "صنع في الصين"، في محاولة لتجنب التعطيل الناتج عن عمليات التفتيش الجمركية الصينية الصارمة، التي جاءت في إطار القيود التجارية التي فرضتها بكين، رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة، الأسبوع الماضي.
وتأتي توجهات آبل في الوقت الذي سعت فيه شركات عالمية عدة إلى تجنب إغضاب التنين الصيني، صاحب ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على خلفية أزمة تايوان، منها "مارس ريغلي" الأميركية العملاقة المنتجة للصناعات الغذائية، إذ تعتمد الكثير من الشركات الدولية الكبرى في الإنتاج والمبيعات على الصين التي يتجاوز سكانها 1.4 مليار نسمة.
وأشارت الصحيفة البريطانية، في تقرير على موقعها الإلكتروني، مساء الأحد، نقلا عن تقارير اقتصادية آسيوية، إلى أن آبل طلبت من المصنعين في الجزيرة وضع ملصقات على المكونات المتجهة إلى البر الرئيسي للصين على أنها مصنوعة في "تايبيه الصينية" أو "تايوان ـ الصين".
تأخير وغرامات ورفض للشحنات
وهذه الملصقات مطلوبة من أجل الامتثال لقاعدة طويلة الأمد، ولكن لم يتم فرضها سابقاً، وتتطلب من السلع المستوردة أن تشير إلى أن الجزيرة جزء من جمهورية الصين الشعبية. بينما يمكن أن تؤدي عبارة "صنع في تايوان" إلى تأخير وغرامات، وحتى رفض شحنة كاملة بموجب القانون.
وأدى مطالبة الموردين بإنكار وجود تايوان المستقل إلى انتقادات من جميع أنحاء العالم، حيث أشارت شركة GreatFire، التي تعمل ضد الرقابة الصينية على الإنترنت، إلى أن خطوة شركة آبل جاءت بعد خطوة سابقة تمثلت في إزالة علم تايوان من لوحات مفاتيح الرموز التعبيرية للمستخدمين في الصين وهونغ كونغ.
ربما شعرت شركة آبل أنه ليس لديها خيار سوى الامتثال لطلبات الصين، إذ سيكون تأخير شحن المنتجات مدمراً لها، بينما تنتقل الشركة إلى مرحلة الإنتاج النهائية لجهاز iPhone 14 ، والمتوقع الإعلان عنه في حدث إعلامي الشهر المقبل، في حين بدأ نقص سلسلة التوريد بالفعل في التأثير، ما دفعها لاتخاذ قرارها غير المسبوق، وفقا لما نقلت "ذا غارديان" عن المحلل الاقتصادي مينغ شي كو.
لكن مينغ شو يرى أن محاولات آبل طويلة الأمد لتنويع عملية الإنتاج قد تؤتي ثمارها في النهاية، متوقعا شحن إصدارات iPhone 14 من المصانع في الهند، جنباً إلى جنب مع الشركات المصنعة الصينية في وقت الإصدار.
في السنوات السابقة، كانت المصانع الهندية متخلفة عن الصين بأشهر فيما يتعلق بأحدث الأجهزة، بينما بدأت مواقع Foxconn الهندية في تجميع iPhone 13 في إبريل/نيسان الماضي، في نفس الوقت تقريبا الذي بدأت كذلك عمليات الإنتاج في البرازيل.
محاولات للإنتاج في الهند والبرازيل
لكن النماذج المُنتجة في الهند والبرازيل تعمل إلى حد كبير على تلبية الطلب في الأسواق المحلية، ولا يُقصد تصديرها إلى جميع أنحاء العالم، لذلك لا تزال مصانع آبل في الصين تؤدي دوراً لا يمكن الاستغناء عنه، كما تفعل في خدمة ملايين العملاء الصينيين الذين يشترون أجهزة iPhone، وفق الصحيفة البريطانية.
وعلى الرغم من المرونة الكبيرة التي أبدتها الصين فيما يتعلق بالحرب التجارية مع الولايات المتحدة في خضم أزمة الرسوم الجمركية التي بدأت قبل نحو أربع سنوات، إلا أنها تتعامل بحزم شديد فيما يتعلق بتعامل الشركات العالمية مع تايوان.
وأعلنت الصين، الأربعاء الماضي، فرض عقوبات اقتصادية على تايوان، رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، حيث علقت إدارة الجمارك الصينية استيراد بعض أنواع الفاكهة والأسماك من تايوان وتصدير الرمال الطبيعية إلى الجزيرة. وعادة ما يستخدم الرمل الطبيعي في صناعة البيتون والإسفلت، وتعتمد تايوان بشكل كبير على الصين في توريدها.
وكانت زيارة بيلوسي، أعلى مسؤولة أميركية تزور تايبيه منذ ربع قرن، قد أثارت غضب السلطات الصينية التي ردت بإدانة وصولها وإطلاق مناورات عسكرية في المياه المحيطة بتايوان التي تعتبرها جزءاً من الصين.
"مارس ريغلي" الأميركية تعتذر
ولم تقتصر محاولات الشركات العالمية تجنب الغضب الصيني على شركة آبل، وإنما أعربت شركة "مارس ريغلي" الأميركية العملاقة عن اعتذارها بعد إعلان عن ألواح الشوكولاتة التي تنتجها من صنف "سنيكرز" وصف تايوان بأنها "بلد"، وأكدت المجموعة، قبل أيام، حرصها على "احترام السيادة الصينية".
واختُتم فيديو ترويجي لنشاط شاركت فيه "سنيكرز" مع فرقة "بي تي إس" الموسيقية الكورية الجنوبية بعبارة جاء فيها: "متوافر فقط في البلدان الآتية"، مع صور لأعلام كوريا الجنوبية وماليزيا وجمهورية الصين (تايوان).
ولم يكن الإعلان المصوّر مخصصاً لسوق البرّ الصيني الرئيسي، لكنّ مستخدمي إنترنت صينيين رصدوه، مما أثار ضجة على الشبكات الاجتماعية.
وأوضحت "مارس ريغلي"، مساء الجمعة في بيان نُشر على حساب "سنيكرز الصين" الرسمي عبر شبكة "ويبو" الاجتماعية: "لقد أخذنا علماً بالمقالات الصحافية المتعلقة بنشاط "سنيكرز"، الذي يُقام في بعض أنحاء آسيا (...) ونأخذ هذا الأمر على محمل الجد ونقدم خالص اعتذارنا". وأكدت الشركة العملاقة "احترام سيادة الصين ووحدة أراضيها".
وليست "مارس ريغلي" أول شركة أجنبية ناشطة في السوق تضطر للاعتذار بعد إشكالات مشابهة خشية أن تؤدي إلى حرمانها السوق الصينية الضخمة.
ففي عام 2019، اعتذرت دار "ديور" التابعة لمجموعة "أل في ام اتش" الفرنسية للمنتجات الفاخرة عن استخدام إحدى موظفاتها خلال عرض تقديمي في إحدى الجامعات الصينية خريطة للصين لا تلحظ تايوان.
وفي العام السابق، حُجب الموقع الإلكتروني لشركة "ماريوت" الأميركية العملاقة للفنادق لمدة أسبوع في الصين، بسبب وصف المجموعة في استبيان عبر الإنترنت المناطق التي تعتبر الصين جزءاً من أراضيها كالتيبت وهونغ كونغ وتايوان على أنها دول قائمة بذاتها.