وبعدما كان حلم ملايين الأسر هو الحياة الكريمة، والحصول على فرصة عمل لائقة ومسكن مناسب ورعاية صحية وتعليم جيد، بات الحلم الآن هو الستر وتجنب فضيحة العوز والسلف، وكأن ثورة ما قامت، وكأن الملايين الذين خرجوا للشوارع قبل 8 سنوات لم يدركوا حجم الكابوس الذي حلّ بهم.
في ثورة 25 يناير 2011، كان حلم المصريين هو اقتلاع نظام ظل جاثماً فوق صدورهم 30 عاماً نشر خلالها الفقر والمرض والبطالة والفساد، وسيطر رجال الأعمال والمال على السلطة ومفاصل الدولة، سنوات شهدت إغراق الأسر المصرية في مشاكل معيشية متواصلة على حساب حريتهم وآدميتهم، كما شهدت جريمة تصدير الغاز المصري لإسرائيل بأرخص الأسعار، في الوقت الذي كانت فيه المرأة المصرية تبحث أياماً عن أنبوبة طهو فلا تجدها.
بعد 8 سنوات من ثورتهم العظيمة، وجد المصريون أنفسهم غارقين في أزمات اقتصادية ومعيشية حادّة، ومستويات تاريخية من الديون الخارجية والداخلية، ومدخرات تتآكل يوماً بعد يوم، وعملة تنهار أمام الدولار، وضرائب لا ترحم حتى ملايين الموظفين الحكوميين الذين انضمت الشريحة الكبرى منهم إلى دائرة الفقر، وجدوا صفقات سرّية للتنازل عن ثروات البلاد، عن الحصة التاريخية من مياه النيل لصالح إثيوبيا، وحقول الغاز في البحر المتوسط لصالح إسرائيل مع تطبيع اقتصادي وسياسي غير مسبوق مع الكيان الصهيوني.
وفيما أغرق نظام مبارك المصريين في مشروعات وهمية كبرى، استنزفت موارد البلاد المحدودة وكان مصيرها الفشل مثل مشروع توشكى وغيره، وجد المصريون أنفسهم بعد 8 سنوات من الثورة، أمام مشروعات تستنزف ما بقي من أموال لدى الخزانة العامة، مثل تفريعة قناة السويس الثامنة التي استنزفت 8 مليارات دولار، ودفعت البلاد لسداد فاتورة باهظة تمثلت في تعويم الجنيه والتوسع في الاقتراض الخارجي، وكذا مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.
تخيل لو أن ثورة 25 يناير نجحت وواصلت مسيرتها، هل كان المصريون سيغرقون في الأزمات الاقتصادية والمعيشية والمالية كما يحدث حالياً؟ هل كان ستتم معايرة المصريين بالفقر والعجز المالي والبطالة كما يحدث حالياً، هل كان أحد يجرؤ على الزعم أن الحكومة لا تجد المال لدعم الوقود والسلع التموينية ورغيف الخبز؟
هل كان سيتم إبرام صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي المنهوب من مياهنا الإقليمية ولمدة طويلة تصل إلى 15 عاماً، رغم امتلاك مصر حقل "ظهر"، الذي يصنف أكبر حقل لإنتاج الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط؟
تخيل لو نجحت ثورة 25 يناير، هل كان أحد يجرؤ على معايرة المصريين بالمساعدات والمنح والقروض الخليجية التي فاقت 70 مليار دولار في غضون فترة لا تتجاوز الخمس سنوات، وهل كانت الحكومة ستقترض أكثر من 50 مليار دولار خلال هذه الفترة الوجيزة من عمر الأمم؟
تخيل لو نجحت ثورة 25 يناير، هل كانت قيمة الجنيه المصري ستتراجع بشكل قياسي ليقترب سعر الدولار من 18 جنيهاً مقابل 5.6 جنيهات في عام الثورة؟
تخيل لو نجحت ثورة 25 يناير، هل كانت مصر ستفقد كل هذه الموارد البشرية المحترفة، التي هاجرت للخارج خلال السنوات الأخيرة، بعدما يأست في العثور على فرصة عمل وحياة كريمة؟
بالطبع لا، فثروات مصر كانت ستخصص لتوفير حياة كريمة للمصريين من تعليم وصحة وغيرهما، وقطاعات السياحة والصادرات وتحويلات المغتربين، التي ازدادت إيراداتها بقوة عقب ثورة 25 يناير، كانت كفيلة بمساندة الاقتصاد والعملة المحلية وتغيير حياة المصريين للأفضل.
وفي حال نجاح ثورة 25 يناير، كان سيتم سدّ باب التهرب الضريبي والجمركي والفساد والاحتكارات، واستيلاء رجال الأعمال على أراضي الدولة، وهي خطوات كانت كفيلة بسد بند عجز الموازنة العامة، وإيرادات قناة السويس كانت كفيلة بسداد أقساط الديون الخارجية، والقطاع الخاص كان سينمو ومن ثم يوفر فرص عمل جديدة.
لكن هل فقد المصريون الأمل في التغيير، هل ماتت ثورة 25 يناير كما يخططون لذلك؟
لا، فعلى الرغم من خطة التشويه المتعمدة لثورة 25 يناير، والممارسات العنيفة ضد رموزها وقتلهم وسجنهم، تظل أفكار الثورة حاضرة في قلوب وأذهان ملايين المصريين، ويظل جيل الثورة هو ذاك الشباب الواعي بحقوقه مهما سعوا لتغييبه وتغريبه، وإقناعه بأن العدوّ الإسرائيلي هو الصديق، وأنّ جاره الطيب صديق عمره الذي لم ير منه إلا كل خير، هو إرهابي يستحق القتل أو الغياب في ظلمات السجون.
وسلام على شباب لا يزال يتمسك بمبادئ ثورة 25 يناير، شباب يرفض الفساد والقمع والقهر والاستبداد والسرقة والنهب، والفشل والانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والتبعية المطلقة لصندوق النقد والبنك الدوليين، سلام على شباب يؤمنون بأن البلاد الحرة هي التي تصنع المعجزات الاقتصادية وتبني الاقتصاديات القوية، وسلام على شهداء 25 يناير، ولساها ثورة.