رسمي الخفاجي.. ذاكرة بالأبيض والأسود

17 ابريل 2019
(من المعرض)
+ الخط -

زاوج الفنان العراقي رسمي الخفاجي (1945)، منذ بداياته، بين الرسم والأعمال الطباعية الغرافيكية التي كانت موضوعاتها الأساسية مستمدة من واقع بلاده، لكنه منذ عام 2006؛ أي بعد الاحتلال الاميركي، لم يعد يرى هذا الواقع إلا بالأبيض والأسود اللذين يختزلان مشهداً بأكمله.

لم يعد هذا التضاد بين اللونين يقدّمه عبر الطباعة، إذ يغلب على أعماله الرسم بالحبر، في محاولة لإيجاد مفارقة بين ما يذكره من عراق الستينيات والسبعينيات، والذي غادره إلى إيطاليا لإكمال دراسته للفنون، وبين ما يعيشه في عراق اليوم، الذي انتُزعت منه الألوان.

كما يحضر التباين بين الأبيض والأسود تعبيراً عن تلك المسافة الجغرافية الفاصلة بين مدينة توسكانا الإيطالية حيث يقيم، وبين وطنه البعيد، رغم زيارته له أكثر من مرّة مؤخراً، حيث يذهب في أسلوبه التجريدي إلى محاكاة الواقع ومعطياته.

حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري، يتواصل معرض الخفاجي الذي يحمل عنوان "مسارات 2" في غاليري "وادي فينان للفنون" بعمّان، والذي افتتح في السادس منه، ويضمّ مجموعة من اللوحات بأحجام مختلفة تشكّل سرداً موازياً لمحطّات في ذاكرة الفنان.

من المعرضيقدّم الخفاجي رسوماته بالحبر الأسود على الورق والقماش تتشكّل فوقه الخطوط والنقاط والحروف موزعة هندسياً بدقة ضمن خيارين: أن يترك السطح أملساً ليتشبع باللون أو يخدشه ليتبدى نفوره؛ بحيث تظهر الأعمال بين الرسم والحفر في توظيف لافت لخبراته السابقة.

يركّز الخفاجي على الظل وتدرّجاته بحيث يبدو الأسود هو عمق اللوحة، ما يُظهر جماليات اللون الضد بصورة أكبر، ويحيل التقشف المتقصد إلى مفتاح لقراءة الحالات التي تعبّر عنها، كالدهشة والحزن والحنين والفقد والمشاعر المرتبكة إزاء المكان وانعكاساته في الفن.

يظهر توزيع النقاط والخطوط والتموجات التي يرسمها الفنان وكأنها التقاطة من طبيعة متنوّعة التضاريس أو حياة متقلبة الأحداث والمحطات، لكنها تحمل نظرة من زاوية معينة تبدو كاستعادة للماضي بعين الزاهد أو المتأمل الذي يبحث عن هدوئه وسلامه الخاص.

يقول الخفاجي في تقديمه للمعرض: "اتباعنا للمسار، نحن غير متأكدين إلى أين يقودنا في كثير من الأحيان وأحيانا نواجه مفاجآت ونكتشف الاكتشافات التي يجب أن تقدمها الطبيعة، ورويداً رويداً يتم بناء صورة نهائية غير اعتيادية عند نهاية رحلتنا، كما هو الحال عندما أبدأ رسماً غالباً لا أعرف كيف سينتهي، لكن خطوة تلو أخرى أتبع مساري الذي هو عبارة عن ورقة وفرشاة، والتي هي بمثابة عصا المشي التي تقودني إلى المكان الذي من المفترض أن أصل إليه".

المساهمون