"الاستشراق في العمارة العربية": قراءة معاصرة

25 مارس 2019
(القاهرة عام 1930)
+ الخط -
يرى باحثون غربيون أن المدينة العربية غالباً ما نشأت خارج التنظيم العمراني، حيث الفوضى الداخلية فيها أنتجت شوارع ضيقة ومتعرّجة، وأن الأحياء تم تقسيمها على أساس إثني في ظلّ ما اعتبروه غياباً للحكم المدني، متجاهلين ظروف المناخ التي فرضت عمراناً يوفّر الرطوبة في مدن تشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة، وكذلك متطلبات الحياة الاجتماعية التي كان لها دورها في تصميم البناء.

"الاستشراق في العمارة العربية - إشكالية بناء المعرفة والهوية: قراءة نقدية في التاريخ الحديث والمعاصر (1750 - 2008)" عنوان كتاب الباحث المعماري الأردني رائد أرناؤوط الذي يحاضر حوله عند السادسة من مساء اليوم الإثنين في مكتبة "نقابة المهندسين الأردنيين" في عمّان.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول أرناؤوط إن الكتابات حول العمارة العربية الحديثة والمعاصرة مجزّاة ولا تمثل نسقاً تاريخياً خلافاً للحقب الماضية، التي كتب عنها الغرب ضمن مجال بحثه في التاريخ والآثار، واختلف الأمر حين أصبح التاريخ الحديث مرتبط بهم بفعل الاستعمار وأصبحوا جزءاً منه من خلال تأثيرهم على المدينة العربية، فتولّدت إشكالية عدم معرفتنا بها لمن يريد الاشتغال في العمارة والبحث عن البنية الحضرية للهوية المعمارية".

يضيف "نحتاج إلى مدخل مختلف لفهم العوامل التي ساهمت في صياغة الهوية العمرانية سواء على مستوى المبنى أو البيئة الحضرية في المدينة، وفي مقدّمتها الاستشراق حيث تأثير الغرب على العمارة والبيئة الحضرية والفن في العالم العربي".

ويرى أرناؤؤط أن "بيئتنا العمرانية الحديثة لا تتسم بهوية واضحة منذ فترة الاستعمار وحتى اليوم، والسؤال الأساسي الذي يُلح علينا هو: هل نفهم بيئتنا العمرانية من خلال فهمنا لذاتنا أم من خلال فهم الآخر لنا؟ لذلك يمرّ الكتاب بمحطات بدءاً من المعارض المعمارية الدولية التي كانت تحضرها القوى الاستعمارية لتمثّل معمار البلدان التي تحتلها في منتصف القرن التاسع عشر، وصولاً إلى معارص اليوم التي تشارك فيها البلدان العربية بعد استقلالها".

ويتساءل إن كان ما قدّمه العرب اليوم يختلف عما قدمه عن الاستعمار عن هويتنا المعمارية والثقافية، مجيباً أننا لا نزال نرتبط برؤية الآخر سواء في نظرتنا التبعية ومحاولة تقليده في طرز حداثوية، أو من خلال مقاومته واستعارتنا العمارة الإسلامية والتقليدية كشكل من الاحتماء بالتاريخ بغض النظر عن عوامل المناخ واحتياجات العصر، ما يجعل الحاجة ملحة إلى مشروع معرفي لإعادة انتاج الهوية الواعية بالذات".

يرى أرناؤوط في كتابه أن العمارة العربية الحديثة تعدّ نتاجاً ثقافياً يعبر عن فكر من ينتجها ويسهم في بناء هوية مستقبلية لهذه الثقافة من خلال التجمعات الحضرية للناتج العمراني، مؤكداً أنه لا بدّ من الوقوف على ملامح الفكر العربي والهوية العربية في سياقها الثقافي ومن ثم نتاجها العمراني لبناء ثقافة عمرانية معاصرة مدركة لخصوصيتها وإشكاليتها وقادرة على القيام بمتطلبات نهضتها المعرفية.

يتضمّن الكتاب أربعة أجزاء، يتناول الأول الجذور المعرفية والإشكاليات البنيوية للاستشراق والاستشراق السياسي والسلطة المعرفية وأبعاد المعرفة الاستشراقية الحديثة والاستشراق المعاصر بين الأزمة والتجديد وإشكالياته البنيوية، وأبعاده وأدواته ومجالاته، وآراء عدد من المفكرين العرب المعاصرين في الاستشراق.

ويعرض الجزء الثاني للاستشراق والعمارة الإسلامية من حيث الفهم والتمثيل والبدايات الأولى لفن الاستشراق والمعارض الدولية والاستشراق والعمارة ضمن الرؤية الغربية الحديثة، مع نظرة عامة حول الرؤية الاستشراقية ضمن المعارض الدولية، والاستشراق المعماري في الشرق في القرن التاسع عشر، والمدينة الإسلامية والاستعمار.

يبحث الفصل الثالث المرجعية التاريخية للعمارة العربية المعاصرة، ومنهجيات فكرية في العمارة، وأثر الفكر العربي في العمارة العربية والتأثيرات الفكرية في التوجهات المعمارية المعاصرة، أما الفصل الرابع فيتناول بداية حوار لقراءة منهجية للاستشراق وخاصة في العمارة العربية المعاصرة، والدراسات المعمارية والفنية المعاصرة وبرامج الحفاظ والترميم لمشاريع سياحية، والاستشراق والعولمة بقراءة جديدة للتاريخ الحديث في ضوء معطيات مطلع القرن الحادي والعشرين.



المساهمون