"أيام قرطاج المسرحية": جدل الثوابت والمتغيرات

05 ديسمبر 2019
من العروض المشاركة، "دونكيشوت تونس" لـ معزّ العاشوري
+ الخط -


منذ إطلاقها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، أخذت "أيام قرطاج المسرحية" موقعاً خاصاً في الحياة الثقافية في تونس، خصوصاً أن المسرح حافظ على وتيرة من الازدهار النسبيّ، سواء تحت رعاية الدولة أو خارجها، وهو ما لم تعرفه مجالات ثقافية أخرى كالأدب والفنون التشكيلية، صارت في السنوات الأخيرة تحظى هي الأخرى بـ"أيام قرطاج" ضمن اعتقاد بأن إشعاع المهرجان هو الذي خلق تلك الديناميكية التي يعرفها المسرح!

تنطلق بعد غدٍ السبت دورة جديدة من "أيام قرطاج المسرحية" هي الحادية والعشرون، تستمر إلى 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. وإذا كان البرنامج يؤكّد على ثوابت "قرطاج" باعتباره فضاء للمسرح تلتقي فيها دوائر ثلاث ثقافات: العربية والأفريقية والمتوسطية، فإن متغيّرات كثيرة تبرز للعيان، وهي في الحقيقة لا تتعلّق بالدورة الحالية حيث ظهرت بوادرها في الدورات الأخيرة.

أوّل هذه المتغيّرات وأبرزها هو ما أدخله سياق الثورة من دماء جديدة في الممارسة المسرحية، فانفتحت على شريحة من المسرحيين غير مقرّبين من وزارة الثقافة، كما أخرج المسرح من القاعات إلى الشارع، ومن العاصمة إلى عدّة مدن تونسية أخرى، وهي عناصر باتت تظهر بشكل جليّ في برنامج "أيام قرطاج المسرحية" حيث تقام بعض العروض في شوارع العاصمة، وتزور مسرحيات كثيرة مدناً مثل صفاقس والقيروان وتطاوين.

عنصر آخر يرسم تغيّراً حاداً في مسار التظاهرة يتعلّق بدوريّتها، فمنذ إطلاق "أيام قرطاج المسرحية" وحتى سنة 2015 انتظم المهرجان كلّ عامين (بالتواتر مع أيام قرطاج السينمائية)، ليبدأ بعد ذلك في نسق سنوي، وهو قرار لم يكن انعكاساً لتطوّر طبيعي للمهرجان، أو تعبيراً عن محاولة استيعاب نسق أعلى من الإنتاج المسرحي التونسي أو العربي، بل كان متماشياً أكثر مع تصوّرات رعاة المهرجان من شركات خاصة ووسائل إعلام، وهو ما يتقاطع مع أهداف التنشيط الثقافي المستمر لتونس العاصمة كأحد الأهداف التي تطمح دائماً وزارة الثقافة إلى تجسيدها.

أخيراً، يمكن أن نرصد ضمن المتغيّرات توفّر فضاء "مدينة الثقافة" في تونس العاصمة منذ الدورة الماضية، وهو ما أتاح تكثيف جزء من العروض في مكان واحد بعد أن كانت موزّعة بين قاعات متباعدة في المدينة، بعضها قاعات سينما يجري تهيئتها بالمناسبة.

على صعيد آخر، لاحظ متابعو "أيام قرطاج المسرحية" كثرة المشاركات التونسية وهو ما أفقد الظاهرة الكثير من انفتاحها. في دورة هذا العام، لا نجد تراجعاً عن ذلك (25 مسرحية من تونس مقابل 18 من بقية البلدان العربية)، لكن ما يسجّل في دورة هذا العام هو حسن توزيع الأعمال التونسية بين فقرات المهرجان، فلا تحضر مثلاً في المسابقة الرسمية سوى مسرحيتين تونسيتين ("سيكاتريس" لغازي الزغباني و"تطهير" لمعز حمزة) من أصل 14 مشاركة، لتستوعب بقية الأعمال "العروض الموازية" و"عروض الجهات"، و"مسرح الحرية".

دلالات
المساهمون