ديفيد بومبيرغ: من التهميش إلى الطليعية

10 ديسمبر 2019
(من المعرض)
+ الخط -
كثيراً ما ينصف تاريخ الفنّ أحد أبنائه الموهوبين الذين تجاهلهم عصرهم من دون أن يكون لهذا التهميش تفسير منطقي. في هذا السياق، يمكن إدراج الفنّان البريطاني ديفيد بومبيرغ (1890 - 1957)، الذي وصفه الناقد ريتشارد إنجليبي عام 1996، بأنه "نجم مشرق في كسوف"، وهو وصف يعبّر عن حجم الإهمال الذي عاشه الفنان.

لم يحظ بومبيرغ بعرض أعماله في أي من صالات عرض لندن المرموقة، وظل الأمر على حاله إلى أن مات، فقام متحف "تيت" بتقديمه بعد مرور عام على رحيله عام 1957. وكان "تيت" بالذات من أكثر الجهات التي قست على بومبيرغ، فاشترت عملين فقط من أعماله المبكرة، والتي لا تمثّل بأي شكل تجربته، وكان أكبر "إذلال فنّي" تعرّض له الفنان حين أُقيم معرض للبريطاني لويس ويندهام، ووُضع ضمنه عمل لبومبيرغ، لإظهاره كمتأثّر بمدرسة "الفورتيسيزم" Vorticism التي يُعدّ ويندهام أكبر رموزها، في حين أن بومبيرغ لم يكن يرى نفسه في تيار هذه المدرسة.

كان بومبيرغ يمثّل الوجه المضاد للفنان البريطاني، ابن القاعات الرسمية والغاليريات الفخمة في مشهد فني لندني صارم التقاليد، وليس من المبالغة وصفه بالبوهيمي؛ حيث كان يعرض لوحاته في صالات صغيرة روّادها من البوهيميّين والمهمّشين أمثاله، ممن يوصفون اليوم بالطليعيين. بل إن الفنان لم يتمكّن من الحصول على عمل إلّا في تدريس الرسم للناس في "الهايد بارك".

من المعرضيحاول "تيت" التعويض عن معرض عام 1957، فيقيم لتجربته معرضاً استعادياً بعنوان "بومبيرغ الشاب والأساتذة الكبار"، افتتح نهاية الشهر الماضي ويتواصل حتى الأول من مارس/ آذار 2020.

الآن يصفه "تيت" في بيان المعرض: "يقدّم هذا المعرض بعضاً من أولى رسوماته إلى جانب الأعمال التي ألهمته، من بوتشيلي إلى ميكيل انجلو، ويكشف كيف أن أعماله المتمرّدة والشبابية استلهمت من الأساتذة الكبار، وساعدته في القفز إلى الأمام والمساهمة بجرأة في تأسيس لغة الفن الحديث في أوائل القرن العشرين".

اليوم، يُعد بومبيرغ أحد أهمّ الفنّانين البريطانيّين الطليعيّين في القرن العشرين، ولوحاته تباع بأغلى الأسعار، ولا يخلو متحف حديث في العديد من العواصم من لوحة له كواحد من الروّاد. أمضى حياته في خوض معارك مع أساتذته من أجل تجربته التكعيبية المبكرة، ولم يكن مستعدّاً للتسوية في فنّه، منفّراً الفنّانين والأكاديمّيين ونقّاد الفن والمقتنين منه، حتى إنه رُفض في ورشة "أوميغا" المرتبطة بمجموعة "بلومزبري".

غالباً ما يفسّر النقاد الظلم الذي تعرض له الفنان في حياته بالتغييرات الجذرية التي مرّ بها فنه: من الانشقاق عن الشكل الهندسي كما ألفه الفنّانون، إلى رسومات الطوبوغرافيا الواقعية، وصولاً إلى التطرُّف في التجريد. كتب الناقد ديفيد سيلفتسر عام 1964 أن "هناك سببين للاعتقاد بأن ديفيد بومبيرغ هو أروع رسّام إنكليزي في قرننا: أعماله المبكرة والمتأخّرة"، وكان يلفت إلى ذلك الجنون في البحث عن شكل جديد للفن يظهر من خلال الفرق الكبير بين بداياته وآخر لوحاته.

المساهمون