"المعهد الوطني للتراث": احتفالات لا تحجب الأزمة

09 اغسطس 2018
(آثار رومانية في سبيطلة التونسية، تصوير: فيفيان شارب)
+ الخط -

في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، كرّر وزير الثقافة التونسي، محمد زين العابدين، تصريحات سابقة بإحالة عددٍ من الملفّات إلى "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، يتركّز معظمها في قطاع الآثار. كما أعاد الحديث عن تفعيل قوانين حماية التراث التونسي غير المفعّلة. غير أنه خلال الأشهر العشرة الماضية لم يطرأ جديد يُثبت سعي الوزارة إلى إحداث إصلاح جدّي في القطاع.

تُستعاد تلك التصريحات مع تواصل الاحتفالات بستّينية تأسيس، أو بالأحرى تونسة "المعهد الوطني للتراث المؤسّسة المشرِفة على الآثار في تونس، إذ أخذت هذا المسمّى في آذار/ مارس 1957، حين تسلّمت كلَّ ما كان تحت يد السلطات الاستعمارية، و"إدارة الآثار والفنون" التي أسّسها المستعمر الفرنسي عام 1885.

جابت الاحتفالية، التي بدأت نهاية العام الماضي، عدداً من المدن التونسية، آخرها سوسة منذ أيام، حيث أُقيم في متحفها معرضٌ يضمّ مراسلات إدارية ومحاضر جلسات ووثائق ورسوماً توضيحية وخرائط تعود إلى فترة تأسيس المعهد، وصوراً تسرد إنجازات الباحثين.

تُثير مفردة "التونسة" تساؤلات معمّقة حول الأهداف التي قام عليها المعهد، متمثّلةً في دراسة وحفظ التراث الأثري من أجل بناء هويّة وطنية، بينما لم تتغيّر كثيراً ممارسات الاستعمار الأركيولوجية، بالعودة إلى طبيعة النخب التي أدارت البلاد وكانت متغرّبة في نظرتها إلى تاريخ بلادها.

يذكُر الباحث عماد صولة، في دراسة له بعنوان "التراث الأثري في تونس أمام رهان الذاكرات"، أنه "لم تكن هناك قطيعة في نظرة النخبة السياسية والثقافية الصاعدة للتراث الأثري، فقد ظلّ الاهتمام منصبّاً على الفترة الرومانية والبيزنطية، بينما أُهملت الفترات السابقة لها"، وقد يكون التغيير الوحيد في مسار هذه التونسة متمثّلاً في "بناء ذاكرة وطنية رسميّة تمحورت حول شخصية الزعيم بورقيبة".

الانتقال الأخطر، بحسب الباحث، جرى بتحوّل الذاكرة الوطنية الرسمية إلى ذاكرة انتفاعية، فبدلاً من استثمار التراث في إطار مشروع ثقافي وطني، جرى التعامل معه بوصفه رأس مال يخضع إلى احتكارات فئات اجتماعية جديدة تستغلّه بالخصوص في القطاع السياحي.

يغيب هذا البعد النقدي في احتفالات ستّينية "المعهد الوطني للتراث". وبعيداً عن السياسات المتّبعة في التعامل مع الآثار، يُمكن أن نلاحظ إشكاليات أخرى أبرزها ترهّل الجسم البيروقراطي الذي يشرف على ملفّ الآثار بعد تضخمه، والتداخل بين صلاحيات أكثر من هيئة تتقاطع مع مهام "المعهد الوطني للتراث"؛ مثل "إدارة الهندسة المعمارية والحرف"، و"وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية"، ووزارتي السياحة والتجهيز.

ورغم ذلك، عجزت هذه الهيئات، على تعدّدها وكثرة موظّفيها، عن حماية الموروث التونسي أمام شبكات منظّمة لتهريبه والاتجار به ارتبطت قبل 2011 بأسماء بارزة من النظام السابق، ثم وجدت شبكات جديدة مدعومة من الخارج فرصة دخول هذه المضمار مع الانفلات الأمني الذي عقب الثورة.

تشير إحدى الإحصائيات إلى أن حجم السرقات والتخريبات في السنوات السبع الماضية بلغ قرابة خمسة وثلاثين ألف قطعة أثرية. لعلّ هذا الرقم المفزع كافٍ لوحده لإضاءة مأساة الآثار في تونس.

دلالات
المساهمون