"قصّة مكان" في أرض الحكاية

18 ابريل 2018
سامر طرابيشي/ سورية
+ الخط -

من بيتٍ لمحمود درويش يقول فيه "من يكتب حكايته يرث/ أرض الكلام، ويملك المعنى تماماً"، انطلقت فكرة هذا العمل الذي يُحاول تقديم روايةٍ موثّقة للأحداث التي عاشتها سورية خلال خمس سنواتٍ من الحراك الذي بدأ في 2011 ولمّا يزل مستمرّاً إلى اليوم.

غير أن سنا يازجي، المشرفةَ على إعداد كتاب "قصّة مكان، قصّة إنسان 2011-2015" تلفتُ، في ندوة أقيمت مؤخراً في "مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر" في إسطنبول، إلى أن الأخير لا يزعم احتكار الحقيقة، بل يكتفي بمحاولة "إتاحة مساحةٍ للإنسان السوري لسرد روايته الشخصية حول الأحداث، بعد أن ظلّ ممنوعاً، لزمن طويل، من امتلاك روايته الخاصّة".

يتضمّن العمل خمسين نصّاً تُعرّف بخمسين مكاناً في سورية، وتُوثّق لأحداث جرت فيها منذ بدايات الحراك وترصد مآلاتها، بالاعتماد على شهاداتٍ ومواد وُثّقت عبر الإنترنت غالباً، وقد أُرفق كلٌّ نصٍّ بصورة.

تعتقد يازجي بأن التوثيق العلمي للأحداث التي عاشتها سورية منذ بدء الحراك السلمي فيها أمرٌ في غاية الضرورة، خصوصاً مع اختفاء الكثير من المواد التي نُشرت على الإنترنت: "يوتيوب حذف قرابة 150 ألف فيديو متعلّق بالثورة".

تُضيف المتحدّثة: "عدم التوثيق كفيلٌ بخلق حالةٍ من الإرباك وإثارة تساؤلاتٍ تُشكّك في وقوعها أصلاً، خصوصاً في ظلّ اعتماد وسائل الإعلام، في كثيرٍ من الأحيان، على الرواية الرسمية، وإهمال الرواية الشعبية، بزعم عدم التأكُّد من صحّتها". وتُردف: "ليس الكتاب سرداً أدبياً أو تاريخياً. هو نصوصٌ تعريفية تُعطي المعلومة انطلاقاً من مكانٍ ما، ثمّ تتتبّع تداعياته التي قد تكون أكبر في مكان آخر".

هنا تُوضّح بأن الاشتغال على كمٍّ هائل من المواد الأرشيفية لم يكُن أمراً هيّناً، إذ تطلّبَ اشتراك مجموعةٍ من الباحثين والمترجمين والمدقّقين الذين عملوا، خلال ثلاث سنواتٍ، على تمحيص المعلومات وترتيبها والتأكّد من صحّتها، بهدف الاقتراب من الحقيقة، تقول "اعتمدنا على كميّة كبيرة من المصادر. بعض الروايات حول حدثٍ واحد كانت مختلفةً حدّ التناقض".

صدر الكتاب ضمن مشروع "أرشيف الذاكرة الإبداعية للثورة السورية"، وهو منصّة إلكترونية أسّستها يازجي عام 2013، بهدف "تعزيز فعل وأثر المقاومة الفنية السورية وأرشفتها"، وجمع الإنتاج الإبداعي والتوثيقي المتعلّق بالثورة في مكانٍ واحد.

تُشير يازجي إلى أن المشروع عمل على ربط آلاف المواد الموثّقة بأماكنها الجغرافية، فكانت النتيجة قرابة 240 مكاناً. غير أن الكتاب تضمّن خمسين مكاناً فقط: "ثمّة كمّ هائلٌ من الروايات التي لم تُكتب، أو التي بقيت في عهدة أصحابها، ما يعني أن عملاً كبيراً لا يزال ينتظر القيام به".

لماذا التركيز على المكان؟ سؤال تُجيب عنه بالقول إن الرواية الرسمية حاولت حصر الأحداث في مكانٍ واحد أو اثنين، ثمّ عمدت إلى طرح سؤالٍ عن الأسباب التي دفعت المواطن السوري إلى الانتفاض، بينما يجعل وجود خمسين مكاناً في مناطق مختلفة من البلاد السؤالَ غير ذي معنى.

من جهةٍ أُخرى، ترى يازجي أن الحراك السوري رافقه "انفجار" في العمل الفكري والإبداعي: "قبل الثورة، كان العمل الثقافي ضئيلاً، وهو في غالبيّته تابعٌ للمؤسّسة الرسمية، ممثّلةً في الدولة أو السفارات الأجنبية، وخاضعٌ للبيروقراطية والعقلية الأمنية؛ فإقامة معرضٍ تشكيلي، مثلاً، تتطلّب الحصول على أكثر من ثلاثين ترخيصاً أمنياً. بعد الثورة، اختلف الأمر، إذ بتنا أمام أشكالٍ إبداعية وتعبيرية حرّة وغير مألوفة". تختتم يازجي بالقول إن الكتاب، وهو باللغتين العربية والإنكليزية ويصدر قريباً، جاء كإجابة عن السؤال: أين سيذهب كلّ هذا الإنتاج ومن سيجمعه؟

المساهمون