"الطريق إلى الطنطورة": لماذا نحن لاجئون؟

29 يونيو 2017
(هلا جبريل في أطلال بيت جدها في الطنطورة)
+ الخط -
تحمل المخرجة الفلسطينية الأميركية هلا جبريل في تاريخها الأسري هجرتين أساسيتين، من فلسطين إلى سورية ثم من سورية إلى أميركا، حيث أخذها والداها وهي صغيرة، لتكون اليوم مخرجة تعيش في لوس أنجلوس وتزور فلسطين كأميركية.

منذ عام 2010، بعد زيارتها لأطلال قرية عائلتها، حيث بيت جدّها الكبير، تعمل جبريل على مشروع فيلم وثائقي بعنوان "الطريق إلى الطنطورة" تؤرّخ فيها شهادات لمن يعرف حقيقة ما جرى؛ حيث أصبح اسم القرية الفلسطينية، مألوفاً ومعروفاً لأنه اقترن بـ "مذبحة الطنطورة" التي وقعت يومي 22 و23 أيار/ مايو 1948، وراح ضحيتها وفقاً للوثائق حولها 200 قتيل دفنوا في مقبرة جماعية، أقيم في مكانها لاحقاً ساحة لوقوف السيارات، وشُرّد ما تبقى من الأحياء، لتصبح القرية مستوطنة.

على صفحتها في فيسبوك كتبت المخرجة، مؤخراً، تعليقاً حول منزل أهلها المهجور الذي ما زال صامداً في القرية، تقول "أرضنا وبيتنا وممتلكات عائلتي سُرقت في 23 أيار/ مايو من قبل الصهاينة... على أحد الأحجار كتب جدي الأول بضعة أبيات وأرّخها بـ 1299 هجرية، أي 1878 ميلادية، الأبيات تقول "يا دار سعد الخير حلّ بأرضها.... الخير فيها من جود المكارم..."، وقد محت عوامل الطبيعة نصف هذه الأبيات.

تقول جبريل في إحدى المقابلات معها إن عائلتها انتقلت إلى أميركا من سورية، وقررّت أن تندمج تماماً في المجتمع الأميركي؛ "كنا نتحدّث الإنكليزية، ونأكل المعكرونة بالجبن، ونزيّن شجرة عيد الميلاد رغم أننا لسنا مسيحيين. كنت أعرف أننا فلسطينيون، وفي قرارة نفسي كنت أعرف أننا لاجئون، لكني لم أكن أفهم ما معنى ذلك، ولماذا".بيت جد المخرجة في الطنطورة، الصورة من صفحتها على فيسبوك

في البداية ولمعرفة تاريخ عائلتها، استعانت جبريل بالإنترنت، لكنها لم تعثر على شيء إلى أن نُشر مقال لباحث إسرائيلي كتب رسالته للماجستير حول ما حدث في الطنطورة عام 1948، وجرت مقاضاته بتهمة التشهير، من قبل "محاربين" من عصابة "كتيبة السبت" التي قامت بالمذبحة.

وقد استفاد الباحث من مذكرات شخص يدعى مروان يحيى، وهو والد المخرجة التي حصلت على هذه المذكرات من الباحث لاحقاً ولم تكن قد عرفت عنها شيئاً من والدها سابقاً، فقد كان يلوذ بالصمت كلما سألته ابنته عن ما حدث للطنطورة وأهلها.

وجدت جبريل نفسها في المأزق ذاته، فبدأت في استكشاف الطريق الذي سلكه قبلها والداها، متتبعة قصص أقاربها وعائلات تعود في جذورها إلى قرية الطنطورة، لتجيب عن سؤال لماذا وبعد سبعين عاماً ما زالت لاجئة.

لن يقتصر الفيلم على شهادات من أقاربها، أو ممن عاش وشهد على تلك الواقعة، بل التقت جبريل بعدّة "جنود إسرائيليين" ممن شاركوا في الهجوم على الطنطورة، عن ذلك تقول "التقيتُ بنز برايدن، قائد الهجوم على القرية عام 1948، وقال إنه إذا كان فعلاً قد سبّب الأذى لعائلتها أو لها فهو يعتذر، شعرتُ بضيق شديد فكيف له أن ينكر ذلك؟ كان لقائي بالجنود أكثر لحظات صناعة الفيلم إيلاماً، وقد طاردتني الكوابيس لأشهر بعد إجرائها".

يظهر أن جبريل لم تتوقّف عند مذبحة الطنطورة وما حدث فيها وحسب، بل ذهبت إلى سؤال "لماذا أنا لاجئة؟"، والذي أخذ يمتدّ أثناء إنجاز الفيلم، مع الحرب السورية، لتعيد الصور إلى الأذهان مشاهد مئات الألوف من البشر في طريقهم إلى المجهول، منفيين أو هاربين، أو لاجئين وتجد جبريل أن رحلة اللجوء الفلسطيني ما زالت مستمرة. في وصف الفيلم "يائسون متروكون في الخيام ومراكز التوقيف في اليونان وتركيا، أو في بيوت مؤقتة على امتداد أوروبا، آلاف الفلسطنيين اللاجئين في سورية، بدأ مأزقهم المصيري هذا قبل سبعين عاماً مع طرد آبائهم وأجدادهم من فلسطين".

"الطريق إلى طنطورة"، أعاد صاحبته إلى بيت أجدادها، طريق يبدأ من الراهن ثم يعود إلى الماضي ثم يعود إلى الراهن ويشتبك معه، حيث تتتبّع جبريل تهجير الفلسطينيين ونزوحهم المتكرّر، منطلقة من السوريين الفلسطينيين الذي يحملون الآن على أكتافهم هجرة واجتثاثاً من نوع آخر، لكن النتيجة واحدة؛ وتعود إلى السؤال الأساسي الذي سألته جبريل لوالدها وهي طفلة "لماذا نحن لاجئون؟".

دلالات
المساهمون