عبرة صفاقس التي لا يريدها أحد

20 مارس 2017
(من مدينة صفاقس العتيقة، تصوير: زاهر كمّون)
+ الخط -

لأسباب كثيرة لم تحقق تظاهرة "صفاقس.. عاصمة الثقافة العربية 2016" - التي اختتمت فعالياتها الجمعة الماضي - ما كان مأمولاً منها. ليس الأمر متعلّقاً بالإشعاع العربي، فهذا مطمح بعيد، بل حتى إشعاع التظاهرة بين بقية الفعاليات التونسية لم يكن في المستوى.

علينا أيضاً أن نتذكّر أن المشرفين على "صفاقس" طمحوا في بداياتها أن يحرّروا الثقافة من هيمنة تونس العاصمة، وآخرون حاولوا تحريرها من الإشراف المباشر لوزارة الثقافة. طموحات لم تجد ما يدعمها على أرض الواقع، فالتذبذب الإداري (تغيّرات في اللجان والمشرفين) وضعف البنية التحتية الثقافية (في ثاني أكبر المدن التونسية)، وقلة الاهتمام الإعلامي (المتمركز في تونس العاصمة)، وروتينية الأفكار المقترحة، كلها عوامل أجهضت كل أمل في إشعاع التظاهرة.

لعل الاختتام نفسه يلخّص كل الدورة، حيث اقتصر على حفل موسيقي في ساحة باب الديوان في صفاقس. حفل أثثه كل من المغنّي التونسي صابر الرباعي والمصرية أنغام، وهو خيار يعبّر هو الآخر عن تصوّر جاهز حول الثقافة، قرأ فيه البعض محاولة أخيرة في إسعاف جماهيرية التظاهرة ببرمجمة أسماء مثل الرباعي "ذي الإشعاع العربي" وابن مدينة صفاقس.

في ما عدا ذلك، ألم يكن أجدى التفكير في تقييمٍ عامٍ للتظاهرة؟ وهو أمر يجري تحاشيه تقريباً من جميع الأطراف المشرفة على التظاهرة؛ سواء اللجنة المشرفة أو جامعة الدول العربية، أو وزارة الثقافة التونسية، وكذلك الإعلام الذي وبحكم تمركزه في تونس العاصمة كان طوال التظاهرة في الغالب مجرّد ناقل لبرامج الفعاليات وما صاحبها من تذبذب.

في كل هذا، قد لا تكون "صفاقس" سوى ضحية واقع الثقافة العربية بشكل عام، فمنذ سنتين - وبعد أن تنقلت "عاصمة الثقافة العربية" منذ 1996 على جميع العواصم الإدارية للبلدان العربية - بدأت "جامعة الدول العربية" في منح التنظيم لمدن غير عواصم.

ومنذ تجربة "قسنطينة 2015"، بدا واضحاً أنه من الصعب جداً الابتعاد بالأحداث الثقافية خارج العواصم، تلك التي احتكرت لعقود كل شيء معبّرة عن مركزية متسلطة، بحيث أن إيقاظ المدن الأخرى كان يحتاج لجهدٍ طويل النفس، وليس إسقاط تظاهرة ضخمة تمتد على أشهر طويلة عليها.

ألم يكن أجدى بحث سبل لتوفير مسارح وقاعات سينما وغيرها من محامل الفعل الثقافي؟ أو على الأقل توفير تظاهرات قريبة من الناس وتخلق في نهاية الدورة جمهوراً محتضناً للثقافة؟ هكذا، لم تكن صفاقس سوى محاولة فبركة واحة في صحراء كبيرة، وسينتقل - بداية من اليوم (20 آذار/ مارس) - لقب "عاصمة الثقافة العربية إلى مدينة الأقصر المصرية، ثم إلى البصرة العراقية في 2018، دون أن يبدأ أحد في تقييم جدّي لتظاهرة عمرها اليوم أكثر من عشرين عاما، وهل كان لها إضافة ملموسة على الحياة الثقافة العربية.

دلالات
المساهمون