طافت رسوموات شفيق المدن والنجوع حين كانت تنشر في مجلات وصحف منذ ستينيات القرن الماضي، ومنها "مجلة التعاون الفلاحي" التي تمثّل أعماله فيها أساس رؤيته لمجتمع يعتزّ بهويته وتسوده العدالة.
لم تغب أيقونات الثقافة الشعبية عن لوحاته التي أعاد إنتاجها ليروى حكاية البسطاء والفقراء الذين ينتمي إليهم، إذ أغوته أشكال القط والسمكة والحصان ودلالاتها المتجذرة في الذاكرة المصرية، ويتداخل بعدها الأسطوري بحضورها في الواقع، لتحيل إلى المعنى ونقيضه، وإلى الصورة وظلالها، كما اقتربت هذه الأشكال في تكويناتها الجديدة من مشهد سوريالي أصبح فضاءً ملازماً لأعمال الفنان.
في هذا التقابل بين الواقع والأسطورة، اختار شفيق الأبيض والأسود ليعكسا هذه الحدّة والقوة والبلاغة البصرية التي بدت منسجمة مع ذلك الزمان تحديداً، وشكّلت مدخلاً لتصوير الصراع – كما رآه الفنان- في مستوياته المتعدّدة؛ اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وفكرياً، لكن كلّ تلك الأفكار لم تخف مسحة رومانسية ورغبة بسلام دائم مع الوجود.
بدأ ابن طنطا شغفه باللون والصورة مع محاولته نقل طقوس "المولد" التي تحضر فيها الخرافة ممتزجة بالواقع، بما فيها من مشاهد وتفاصيل ظلّت تكوّن قاعاً أسطورياً في ذاكرته، لتخرج حكايات ورموزاً إلى جوار ما اكتسبه من خلال دراسته في "كلية الفنون الجميلة" في القاهرة.
في أعماله المعروضة، تظهر وجوه النساء من غير جسد أحياناً، ووجوه أخرى تطفو على سطح الأرض أو فوق بركة ماء، إلا أن معظم الأجساد التي لا تبين وجوهها تدلّ على نساء بسبب تكوينها بخطوط منحنية كما يتجانس الشكل الحيواني والإنساني معاً في مقاطع كثيرة في لوحاته.
بين أول معرض شخصي أقامه عام 1989 وافتتحه صديقه الروائي الراحل نجيب محفوظ (1911 – 2006)، وبين معرضه اليوم ثلاثة عقود، عاشت مصر تحوّلات اجتماعية عديدة، ظلّ جميل شفيق يهرب منها نحو ذاكرة طفولته وامرأة تعيش فقط في مخيلته؛ عاش بهما ورحل معهما.