في 12 من أيّار/ مايو الماضي، توجّهت قوّة من جهاز المخابرات الأردنيّ إلى بيت الباحث أسامة عكنان في منطقة الرصيفة، واقتادته إلى مبنى الدائرة، من دون إيضاح الأسباب.
هناك، وجَّه المحقّق السؤال الأول لعكنان. "أدركت وقتها فقط سبب اعتقالي"، يقول الباحث لـ "العربي الجديد"، ويضيف: كان سؤال المحقّق عن كتاب كنت أنوي نشره بعنوان "الخطة الإلهية لإدارة الكون"، وبالتحديد، ما جاء في مقدّمته التي تناولت "الثورة العربية الكبرى"، ناقشتهم، وبعد أخذ وردّ، طلب مني المحقّق وعداً أن أزيل الكلمات التي اعتبرها مسيئة. وعدَ عكنان المحقق، لكنه إلى اليوم لم ينشر الكتاب.
تلك حادثة، وغيرها كثير، رصدتها "العربي الجديد"، تتعلّق بمنع أو تضييق أو رقابة على الكتّاب في الأردن.
بالنسبة إلى "هيئة الإعلام المرئي والمسموع"، الجهة المسؤولة عن النشر في الأردن؛ يقول عبد الله الطوالبة مساعد مدير الهيئة "لا رقابة في القانون على المؤلّف الأردني إطلاقاً منذ ما يزيد على عشر سنوات" ويورد خلال حديثه أن "48 كتاباً هي حصيلة ما تحفظت عليه الدائرة خلال الأعوام ما بين 2014 و2015 بسبب ما جاء فيها من "مسّ بالأخلاق والسلم الاجتماعي أو الدعوة إلى الإرهاب".
وفي حين يؤكّد الطوالبة أن الكاتب "يأخذ رقم إيداع ويطبع وليس للهيئة علاقة". ثمة العديد من الشواهد التي تخالف ما ذهب إليه، إذ هنالك رقابة من نوع آخر، طوّرتها المؤسسة الرسمية، تتعاون فيها مؤسسات رسميّة وغير رسميّة؛ هي دائرة المخابرات العامة، ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلاميّة، ودائرة الإفتاء العام، و"مجلس رؤساء الكنائس"، و"دائرة المكتبة الوطنية"، ودور نشر، ومكتبات، وكتّاب، وصحافيون، بل وقرّاء أيضاً.
أحد المسؤولين في دار نشر أردنية، فضّل عدم ذكر اسمه، يقول "ليس هناك منع، توقفت الرقابة القبلية على الكتاب من قِبل الهيئة، لكن فعلياً هناك رقابة من نوع آخر، عبر المكتبة الوطنية، كأن ترفض منح الكتاب رقم إيداع"؛ والذي من دونه لا يستطيع الكاتب نشر كتابه.
يضيف: "هناك أيضاً تضييق، من خلال تحويل الكتاب من "المكتبة الوطنية" إلى جهات أخرى لأخذ رأيها فيه، حيث يتأخر الكتاب لأشهر". مثال على ذلك حين طلبت دائرة "المكتبة الوطنية" تحويل رواية "كلمة الله" (موزاييك) لـ أيمن العتوم إلى "مجلس الكنائس"، فلجأ ناشرها سلطان القيسي، حين أدرك أن الإجراءات ستطول إلى أخذ رقم إيداع في الإمارات.
تنص المادة 40 من قانون "حماية حق المؤلّف الأردني" على أن "يُعطى كل مُصنف رقم إيداع خاص"، وعلى أن تسلّم بيانات الفهرسة للمؤلّف لتثبيتها على مؤلّفه، فيما يشدّد "نظام إيداع المصنفات الأردني" على ضرورة إيداع نسختين أو ثلاث من المؤَلّف. ولا تشير أي من بنود القانون أن من اختصاص "دائرة المكتبة الوطنية" تقييم الكتاب أو ما جاء في محتواه. في حين أن "هيئة الإعلام" بحسب المادة 35 من قانون المطبوعات والنشر" هي المسؤولة عن ضبط نشر الكتب.
لا تنكر "دائرة الإفتاء العام" دورها في الرقابة على الكتب حيث "من جملة المهام التي تقوم بها دائرة الإفتاء دراسة الكتب التي تحوّل من "دائرة المكتبة الوطنية"، وإعداد التقارير بشأن محتواها... بخصوص ما إذا كانت تلك الكتب تتضمن ما يثير تفرقة طائفية أو عصبية أو دينية في المجتمع، وذلك من خلال مراسلات رسمية بهذا الشأن". ووفقاً لنص الرسالة التي أجابت فيها دائرة الإفتاء العام على استفسارات "العربي الجديد"، بلغت الكتب المنظورة فيها حسب إحصائية العام الماضي 215 كتاباً.
بدوره، يؤكّد "مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام" الأب رفعت بدر التعاون بين بعض المؤسسات و"مجلس رؤساء الكنائس" في هذا الشأن، حيث يوضح "نعم تصلنا كتب لإبداء الرأي فيها. الكتاب الذي يتناول الدين المسيحي داخل الأردن أو يراد إدخاله إلى الأردن يستأنس بشأنه برأي الأمين العام لمجلس الكنائس في الأردن لؤي حداد".
وفي حين رفضت وزارة الأوقاف، الرد على أسئلة "العربي الجديد"، مع تكرار الاتصال والرسائل العديدة للوزير وائل عربيات نفسه، أو دائرة الإعلام في الوزارة، يؤكد الطوالبة وجود تعاون مع وزارة الأوقاف في هذا الشأن.
ويؤكد مسؤول، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد" قصص التضييق التي تتعلّق بعدم إعطاء رقم إيداع، موضحاً أن كتب التاريخ، وتحديداً ما يتعلق بتلك التي تتناول التاريخ القريب، حيث تضيّق "دائرة المكتبة الوطنيّة" في إعطاء رقم إيداع لها، ويعتقد أن الدولة في هذا الشأن لا تمرّر أية رواية لا تتقاطع مع روايتها في ما يخصّ بعض الأحداث التاريخية لتأسيس البلاد، ويقول "الأمر لا علاقة له بالقانون، الذي وفقاً له فإن دور الدائرة يقتصر على إعطاء رقم إيداع، وليس لها علاقة بمحتوى الكتاب".
لا يتطرّق الطوالبة خلال حديثه مع "العربي الجديد" لهذا الشأن، موضحاً أن الحقول التي تتحفّظ الهيئة على ما يمكن أن يعتبر مسيئاً فيها "الإساءة إلى الأديان، وما يروّج للإرهاب، وما يمسّ قضايا أخلاقية"، يتمّ البت فيها من هيئة الإعلام، والكتب التي تثير الجدل يتمّ تحويلها إلى وزارة الأوقاف و"مجلس الكنائس". ويلفت إلى أن عدد الكتب التي تدخل الأردن كل عام تقدّر بالملايين، وأن سبعة موظفين، هم المختصون بالإطلاع على الكتب في الهيئة للرقابة.
لكن مهمة الرقابة لا تقتصر على هؤلاء الموظفين، بل إن فريق الرقابة يتّسع ليشمل متطوعين من قرّاء وصحافيين ودور نشر ومكتبات وأحزاب، إضافة إلى الجهات الرسمية وغير الرسمية.
أمّا دور النشر، فيؤكد الطوالبة أن "المكتبات ودور النشر حريصة ومتعاونة معنا"، فيما يرى المسؤول في دار النشر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه التصرفات من دور نشر تأتي "لحفظ خط الرجعة" من قبل الدار لتجنّب تعرّضها للخسائر المادية في حال مُنع نشر الكتاب، حيث تقوم الدار، بعرض ما يمكن أن يُعتبر مسيئاً على الهيئة قبل الشروع في عملية النشر.
"المجتمع صغير، إذا وُجدت إساءة، المواطنون يبلّغون. المواطن على تواصل معنا. وهناك من يأتي ونقنعه بالعدول عن شكواه، هناك متشدّدون...أي شيء ينشر في السوق نعلم به" يؤكد الطوالبة.
في حال المكتبات ودور النشر، ثمة من يقوم بتبليغ "هيئة الإعلام"، عن كتب تحمل إساءات، عن ذلك يقول مدير مكتبة "أزبكية عمّان" غازي الذيبة لـ "العربي الجديد" إن "الهدف المعلن لدى هؤلاء الناشرين - الذي يحملون وكالات دور نشر من الخارج- وجود كتب تحمل إساءات للدين والأخلاق، أو ما يمس أمن السلم الاجتماعي، أما الهدف غير المعلن فيتعلّق بحرب تجارية، ومنافسة في سوق الكتب، يذكر أن مكتبة "الأزبكية" تعرّضت منذ بداية العام الحالي إلى ثلاث حالات تفتيش على الكتب.