"إن ما نحتاجه اليوم هو النهضة التي تعود بالمجد وتُضيء المستقبل. ما نحتاجه اليوم هو ثورة في المعرفة والإنتاج لبناء مصر الحديثة. في الماضي، بنينا عجائب الدنيا؛ كنّا نعرف، كنّا نعمل، كنا نفعل. بنينا الأهرامات والسد العالي وقناة السويس. الآن، يُمكننا أن نبني واحدةً من أعظم مدن العلم والتكنولوجيا في العالم".
يذكر المصريون جيّداً تلك الكلمات التي سمعوها على لسان عالم الكيمياء الراحل، أحمد زويل، (1946 - 2016)، الذي رحل أوّل أمس في الولايات المتّحدة الأميركية عن سبعين عاماً.
بأناقته المعهودة، ظهر صاحب نوبل للكيمياء (1999) في شريط مصوّر ضمن حملة ترويجية لـ "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" عام 2012. وبكثير من التفاؤل، تحدّث عن مشروعه العلمي الذي أراد أن يكون بمثابة "هرم مصر الحديث"، هو الذي ظلّ مؤمناً بأن "العلم هو من سيضع مصر على الخريطة".
لم يكُن تحقيق مشروع كهذا بالأمر اليسير في بلدٍ لم يعُد التعليم يتصدّر قائمة أولوياته الملحّة. لكن ذلك لم يُفقده نبرة التفاؤل التي طالما عُرف بها، نبرةٌ ارتفعت مع ثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. رأى صاحب "عصر العلم" أن الظروف باتت مواتيةً والطريق مُعبّدةً أكثر من أي وقت مضى لإعادة بعث حلمه بإنشاء جامعة ذات مستوىً عالمي باسم "مشروع زويل القومي للعلوم والتكنولوجيا".
كان على زويل أن ينتظر قرابة أحد عشر عاماً؛ فمشروع إنجاز مدينة ترفد الحياة العلمية في مصر والبلاد العربية بدأ في السنة التي حصل فيها على نوبل. وبعدها بعام (2000)، كان زويل يضع حجر أساسها، بحضور عاطف عبيد رئيس الوزراء آنذاك، بعد أن خصّصت الدولة قرابة 300 فدّان للمشروع. بيد أن كلّ شيء توقّف عند ذلك.
بعد أشهر قليلة على قيام ثورة يناير، أعلن رئيس الوزراء، حينها، عصام شرف عن إعادة إحياء المشروع. ولاحقاً، جرى تخصيص 200 فدّان له في "مدينة 6 أكتوبر"، لتكون مكاناً لمقرّها الجديد. ضمّ المشروع، الذي يعرّف نفسه بأنه "مؤسّسة تتمتّع بالاستقلالية التامة"، ويجري تمويلها عبر التبرّعات من الهيئات والأشخاص، في مجلس أمنائه عدداً من الأسماء العلمية المعروفة عالمياً؛ مثل: جراح الكلى المصري محمد غنيم، وأستاذ الكيمياء مصطفى السيد، وإدوارد ستولبر رئيس "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا".
ومن الأهداف التي رسمتها المدينة: "تعليم العلوم والتكنولوجيا على مستوى عالمي، وتطوير تكنولوجيات جديدة، وتحقيق نقله علميه في مصر، وخلق التنافسية بين الطلاب المصريين، ومساعده الباحثين على تطبيق ثم نشر ابحاثهم وتجاربهم المنتجة، والمشاركة في الاقتصاد العالمي القائم على التكنولوجيا، محلياً وعالمياً".
السؤال الآن، هو عن مصير المشروع بعد رحيل مؤسّسه. سؤالٌ قدّمت المدينة إجابةً عنه، وهي تنعى زويل، حيث أشارت في بيان لها، أنها "تستمر في مسيرتها العلمية ككيان قومي يسعى لنهضة مصر ويعاهد طلابها وأعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين بها الشعب المصري على تحقيق حلم الفقيد". فهل تكون هذه الإرادة صادقة، أم أنها مجرد بروتوكول تأبيني؟