"القاهرة الدولي للترجمة": مع الأمنيات بالشفاء

26 نوفمبر 2016
عاصم الباشا / سورية
+ الخط -

تنوّع كبير في المحاور ومواضيع الجلسات وفي قيمة الأسماء المشاركة، وَسَم "ملتقى القاهرة الدولي للترجمة" الذي أقيم بين 23 و24 من الشهر الجاري. المؤتمر الذي نظمه "المركز القومي للترجمة" بالتعاون مع "المجلس الأعلى للثقافة" ودارت جلساته في قاعاتيهما، انطلق من طموح واضح لصوغ ما يقارب سياسة عامة لمشاريع الترجمة العربية بعموم، ورسم معالم نهوض ثقافي، يدل على ذلك عنوان الدورة "الترجمة مشروعاً للتنمية الثقافية".

صحيح أن ذلك الطموح ترافق مع توسّع في محاور المؤتمر بما يوحي - وذلك بنظرة على برنامج هذه الدورة - بأن ذلك الطموح يساق بلا إشارة واضحة لتحقيقه أو وضع الأمنيات في أطر عقلانية، إلا أن بعض جلساته جاءت متحرّرة إلى حدّ ما من هذا التفاؤل المفرط، ومتّوسلة عقلانية وفهماً واقعياً لحال الترجمة العربية اليوم.

تنوّعت هذه الجلسات بين الشهادات الشخصية في تجارب الترجمة، أو الانطلاق لإلقاء نظرة بانورامية على حال مشاريع الترجمة الراهنة، والتي لا يبدو أن لمعظمها خططاً واضحة تقود جهودها لتنطلق الترجمة من حال "نقل عمل من لغة ما" لحال "انتقال ثقافة".

في هذا السياق، جاءت ورقة الأكاديمي والمترجم أحمد فتحي بعنوان "الترجمة والتوطين الثقافي، الترجمة لمن؟"، والتي بدأها بمفارقة تخصّ ترجمة إحدى الروايات اليابانية والتي ظهرت بعنوان "أسراب الإوزّ"، في حين أن عنوانها الحرفي باليابانية هو "ألف طائر كركي"، وللعنوان نفسه محمولٌ ثقافي معروف، كما أشار فتحي.

يقول: "في اليابان، في حال مرض أحدهم كان أهله يصنعون له ألف طائر كركي عبر طيّ الورق في الفن المعروف بالأوريغامي، لأن طائر الكركي يرمز لطول العمر"، ومن هنا فإن العنوان الذي اقترحه فتحي كان "أمنيات للشفاء" أو "صلوات للشفاء"، "لأنهم بطيّ كل هذه الطيور يصلّون لشفاء مريضهم متمنّين له عمراً بطول عمر الكركي" يضيف فتحي.

المثال الذي طرحه المترجم المصري قد يشير إلى كفّتي ميزان يكفي لمعادلتهما وضع أثقال متساوية، لكن الورقة التي قدّمها المترجم السوري ثائر ديب تقدّم ما هو أكثر من ذلك، أو بمعنى أصح تضيف لطرفَيْ العلاقة بعداً أساسياً يختصُّ برجحان موازين القوى. في هذا فإن ديب ينظر إلى الترجمة باعتبارها "ليست علاقة فرد بلغة، أو جسراً حيادياً بين ثقافتين، إنما علاقات قوى وغزو تجاري".

حالة موازين القوى تنسحب في نظر ديب على ثلاث مراتب تخص مشاريع الترجمة، تتعلق أولاها بلا اعتباطية ولا فردية ما يُترجم، إذ إن الأمر متعلّق "بتفضيلات المترجم وخلفيته الثقافية والأيديولوجية، ولا تنتهي بتفضيلات الثقافة السائدة وتحيّزاتها ومصالحها وأيديولوجيتها".

وثانياً ما يخص استكشاف نوعية الخيارات الترجمية اللازمة لثقافتنا لجهة تعديل وزننا الثقافي مستقبلاً ولو قليلاً، وهو ما يحدّده ديب باختياره التركيز على "ترجمة الفكر العلمي النقدي، والمناهج الحديثة في تناول الظواهر، والمنظومات الكبرى التي تنطوي على رؤى أصيلة للعالم، فضلاً، بالطبع، عن الآداب وسواها من فروع الإبداع البشري".

وثالثاً وأخيراً تجميع جهد المترجمين الأفراد لضرورات الثقافة في مشاريع الترجمة الكبرى في المجتمعات العربية، بحيث يحفر ذلك مدقات "على طريق نهوضها، فلا يترك الترجمة بلا أثر يذكر في هذه الثقافة وهذا المجتمع".

فكرة موازين القوى أخذت طابعاً مغايراً في ورقة الأكاديمي والمترجم عن اليونانية خالد رؤوف، حيث أشار فيها لتواضع ما يترجم عربياً بالمقابلة مع دول أخرى. يشير رؤوف أيضاً إلى ندرة ما يترجم عن العربية، عبر مترجمين أجانب، ويعزو الأمر لما يسميه "محاولة ترسيخ صورة تراثية عن العرب".

دلالات
المساهمون