"مباشرة من كومبتون": فيلم خجول عن التمرّد

07 سبتمبر 2015
مشهد من الفيلم
+ الخط -
بالنسبة لمتذوقي موسيقى الراب والهيب هوب، سترتسم الابتسامة، وهم يشاهدون فيلم "مباشرة من كومبتون" عندما يظهر كل من سنوب دوغ وتوباك في مشاهد قصيرة خلال الفيلم الذي يمتد إلى الساعتين ونصف الساعة تقريباً.

وبالنسبة لمن هو بعيد عن هذا النوع الموسيقي، يقدم الفيلم استعراضاً للكيفية التي تحولت فيها موسيقى الهيب هوب من غناء في الأزقة إلى حفلات في صالات عالمية يحضرها الآلاف.

يروي الفيلم قصة تشكيل فرقة الهيب هوب NWA في كاليفورنيا في ثمانينيات القرن الماضي. يقدم المخرج غاري غراي المراحل التي مرت بموسيقى الهيب هوب والتي انتقلت بها من الاضطهاد العرقي والفني إلى صناعة تطبع ملايين النسخ من ألبومات فرق الهيب هوب الموسيقية.

كانت هذه الموسيقى منبوذة أولاً لارتباطها بالسود وثانياً بسبب الاستعلاء الذي جوبهت به من قبل الموسيقيين والصحافة معتبرين أنها أقل شأناً من أصناف الموسيقى الأخرى المتعارف عليها.

بالعموم لم يقدّم الفيلم جديداً عن موضوعة اضطهاد السود في الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة أن هوليوود في العقود الأخيرة أنصفت السود بطريقتها، ولكن كان الفيلم فرصة لتأكيد الاعتبار للنوع الموسيقي الذي أثبت نفسه رغماً عن التعالي الذي فرض مراراً على أغاني الهيب هوب.

بعد انحسار موسيقى الروك كمحرك لتمرد الجماهير بعد حفلة وودستوك في نهاية الستينات من القرن الماضي، ظهرت موسيقى الهيب هوب لتكون الأسلوب الموسيقي القادر على تعبئة الجماهير ضد ظلمهم.

عربياً كانت موسيقى الهيب الهوب الأسلوب الغنائي الأشد التصاقاً بموجه الاحتجاج التي عمت البلدان العربية في السنوات الماضية.

ولم يغفل فيلم "مباشرة من كومبتون" هذا الجانب وخاصة من خلال تسليط الضوء على أثر أغنية Fuck the Police، عندما اعتقلت الشرطة أعضاء الفرقة خلال تقديم الأغنية في حفل غنائي. وقتها قام الجمهور بترديد كلمات الأغنية تضامناً مع الفرقة واحتجاجاً على سلوك الشرطة.

أصبح انتقاد البوليس، في الفن والحياة اليومية والمظاهرات، أمراً مشروعاً، ولكن يبدو هذا التسامح من قبل أجهزة الحكم متخبطاً. فمنذ أربع سنوات فقط قامت الشرطة النيوزلاندية باعتقال المغني تيكي تاني لأدائه الأغنية ذاتها. والآن تقوم هوليوود بإنصاف الأغنية والهيب هوب مرة أخرى، ولكن على طريقتها أيضاً.

تملك هوليوود القدرة على الترويج لما تشاء، وعملياً لا يمكن اختصار أفلامها بدعاية أحادية، وخاصة أن أفلاماً عديدة ناقشت بجرأة قضايا حساسة كالعنصرية والعبودية والارهاب والجنس.

وإن كانت هوليوود قادرة على تصدير مقولات صاخبة إلا أن فيلم "مباشرة من كومبتون" هو مثال آخر يثبت تردد هوليوود والسينما بشكل عام أمام أفلام السيرة الذاتية وأمام نجوم الفن.

بقيت أفلام السيرة الذاتية عموماُ محصورة بتفسيرات ساذجة عن تمرد الفنانين، فتتكئ هذه الأفلام على شهرة الشخصيات الذين تروي السينما قصصهم. ويبقى الفنانون أكثر إشكالية من الأفلام التي ترويهم.

وتزداد هذه السذاجة لتصبح أكثر فجاجة عندما يتعلق الأمر بفنانين معاصرين. هنا يكون الخجل هو العنوان الأساس، فتحد إمكانية حضور الفنان لعمل سينمائي يتحدث عنه من حرية الكتاب والمخرجين والممثلين الساعين لبتجسيد شخصه.

يظهر أعضاء فرقة NWA في الفيلم وكأنهم ملائكة ببشرة سوداء وظروف قاهرة، الأم هي من تعاني من أجل ضمان مستقبل أفضل لأبنائها، وتتحرك الشخصيات الأساسية بدوافع نبيلة على الغالب.

وعبر تسطيح هذه الشخصيات، يحاول الفيلم استعادة جرأة هذه الشخصيات، لكنه يبقى ظلاً أمام جرأة فرقة NWA. ولكن، هل بإمكان نجم شتم كل من يريد بطريقة مباشرة أن يحاسِب عملاً تكلّم عنه كشخصية عامة، وسلط الضوء على أعماله بطريقة قد لا يرغب فيها؟

دلالات
المساهمون