"ذيب": الصحراء خارج الكادر الاستشراقي

09 مايو 2015
الفيلم الأردني "ذيب" يعرض في فلسطين هذه الأيام
+ الخط -

يروي فيلم "ذيب" قصة الفتى ذيب، ورحلته مع أخيه الشاب في صحراء شبه الجزيرة العربية. في عام 1916، تقع على حسين، أخي ذيب، مهمة إرشاد ضابط إنجليزي من أجل مهمة غامضة، ينضم ذيب إلى هذه الرحلة التي ستغير مجرى حياة كل المشتركين فيها.

بغضّ النظر عن قصد أو وعي الكاتب والمخرج للآتي، إلا أن فيلم "ذيب" للمخرج الأردني ناجي أبو نوار (يعرض في فلسطين هذه الأيام) يظهر وكأنه دمجٌ موفق لمكونات أساسية لثلاثة أنواع سينمائية كلاسيكية في فيلم عربي واحد، والأهم أن شخصياته كانت تعيش في بدايات القرن الماضي.

أفلام رعاة البقر(Western): هذا النوع من الأفلام هو أميركي أصلاً، اشتهر حتى فترة ستينيات القرن السابق. عادة ما تدور أحداثه في الصحراء الغرب-أميركية، حيث يلعب خلاء البادية دوراً مركزياً في قصة الفيلم. الشر في هذه الأفلام منفلت ولا من يكبحه، فالسلطة المركزية تبدو دائماً ضعيفة أمامه.

تدور أحداث قصص رعاة البقر عادةً في فترة بُعيّد الثورة الصناعية، فهناك إذاً صراعٌ بين القديم والحديث الذي غالباً ما يتمثل بسلطة القانون التي تحاول تطويع البرية للحضارة. كما أن صراع الحضارات ماثلٌ في العديد من هذه الأفلام، يكون هذا الصراع عادةً بين السكان الأصليين، والذين يصورون كتقليديين وهمج، مقابل المستعمِر الذي يُصوّر العاقل الذي عليه الاختيار دوماً بين الخير والشر.

يطرح فيلم ذيب ويعالج، بكل وضوح، كل ما ذُكر أعلاه. غير أنه يجري تعديلاً وتصويباً تاريخياً جذرياً لسرديات أفلام رعاة البقر الأميركية. ففي الوقت الذي توصف محاولات تطويع البرية للحضارة في أفلام "رعاة البقرة" كفعلٍ إيجابيٍ، ويكون السكان الأصليون (الهنود الحمر) أعداء تلك المحاولات؛ فالأمر معكوسٌ تماماً في "ذيب".

صوّر الفيلم من وجهة نظر السكان الأصليين أو أهل المكان، بدو صحراء شرقي الأردن. يصف "ذيب" دخول الأجنبي (التركي أو الإنجليزي) بحضارته وحداثته كفعل كارثي يزعزع النظام المجتمعي، ويطوّر نزاعات داخلية، ويؤدي إلى الموت والدمار.

اللقطة الأخيرة في الفيلم، هي إيماءة واضحة لأفلام رعاة البقر. البطل الذي يمتطي حصانه - جَمَله في حالتنا - ويسير بالفلاة صوب الأفق.

أفلام البلوغ (Coming of Age): يعالج هذا النوع من الأفلام عادةً قصص طفل/مراهق (عادةً ذكر)؛ يمرّ خلال قصة الفيلم بمغامرة توصله، رمزياً، في النهاية إلى بلوغ سن الرشد. أي أنه يتحّول من طفل الى رجل، وما يتبع ذلك من تحمل مسؤوليات واتخاذ قرارت مهمة.

يمكن رؤية دلالات واضحة لهذه القصة في فيلم ذيب، حتى أن كاتب السيناريو استعمل أعرافاً سينمائية مألوفة في قصته. فالطفل ذيب في البداية لا يخوّل لاستعمال البندقية، وحين يُمتحن في المرة الأولى في منتصف الفيلم، يَفشل بإطلاق النار، حتى ينجح بالنهاية بفعلته فيستعمل المسدس ويصيب الهدف.

الطفل، الذي لم يستطع ذبح الماعز في بداية الفيلم، سيتحوّل إلى رجل يطلق النار ويقتل المجرم. كلها تحولات واضحة للشخصية المركزية والانتقال من العجز والاتكال عند الطفل، إلى القرار والتنفيذ عند الرجل.

في بداية الفيلم يتوه ذيب في الصحراء، فهو إذاً "لا يعرف طريقه"، ثم وبعد الصعاب والمصائب؛ يتعلّم كيف يقرأ النجوم ويعرف طريقه في الصحراء. حتى أنه في النهاية يركب جَمَلَه وحده، ويسافر واثقاً من أنه "يعرف الطريق".

الطريق في القصص هي دائماً رمزية (طريق الإنسان/حياته) وعملية (جغرافيا الرحلة) وهذا ما ينقلنا إلى النوع الثالث.

أفلام السفر (Road Trip): الحياة هي رحلة، هذا هو لبّ أفلام السفر دائماً. هذه الرحلة مليئة بالمصاعب، ولكن كلها تجارب يمكن للمرء أن يستفيد ويتعلم منها. في أفلام السفر، الشخصية المركزية دائماً تكتشف عن نفسها وعن بيئتها أموراً جديدة، ثم تتصالح وتتقارب من بيئتها.

خرج الطفل من البيت في رحلة، ولن يعود إلى البيت نفس الشخص الذي خرج. الرحلة منذ خطواتها الأولى متعثرة وصعبة، وكلما مر الوقت، ستزداد صعوبة وقسوة. ولكن في النهاية، كل ما مر به ذيب في الرحلة، لم يزده إلا قوةً وصلابةً.

لم يقع ناجي أبو نوار في فخ الاستشراق الذاتي الذي يقع فيه العديد من المخرجين حين يصورون بيئتهم البدائية. وإذا ما قسنا الفيلم بحسب أبطاله (وهذا ما أوجب فعله دائماً)، فسنجد أنه قد صوّر من وجهة نظر بطله البدوي، الذي ظهر عند أبو نوار كإنسان لا يشعر بالدونية أمام الأجنبي. وهو ما يحسب للمخرج والكاتب.


* سينمائي من فلسطين

المساهمون