هؤلاء مواطنوك

24 ابريل 2015
جانب من جبل منجويك، برشلونة
+ الخط -

أخذني إلى رقعة في جبل "مُنْجويك"، وقال: انظر! هؤلاء مواطنوك، كلّ واحد منهم، آمَن بأنّ إقامته هنا مؤقتة، وها أنت ترى. وضحك بعصبية، وأَشاح. قال: هنا، أيضاً سيكون مآلي ومآلك. واستدرك: كلا، أنا أوصيت بحرق جثتي، لئلا تشكّل عبئاً على أولادي وأمّهم الكتالانية.

أمّا أنا، فلم أشاطره ضحكته وموقفه، بل استغرقني التأمّلُ في ما حولي، وصفنتُ عاجزاً عن التعقيب.

الفلسطينيون جاؤوا إلى كتالونيا مطلعَ السبعينيات. معظمهم إن لم يكن كلّهم، كانوا طلبة في جامعة برشلونة، وبالأخصّ في كلية الطبّ.

كافحوا واشتغلوا حتى تخرّجوا وعملوا في المستشفيات كزملائهم الإسبان والكتلان. واليوم، لدينا طائفة منهم ذاعت شهرتُها وحازت التقدير. هل في "نجاحٍ" كهذا بعضُ عزاء، أمام هذه "اللحظة الوجودية"؟

ربما نعم. ربما لا. حسب الحالة والموقف. لكنني متأكّد من أمر وحيد: كل واحد منا هنا (ولسنا كثيرين) يحلم بالعودة الأبدية إلى "البلاد"، بغضّ النظر عمّا صار: بروفسوراً في الأكاديميا أو نادلاً في مطعم.

صديق قال إنه مكث الـ15 عاماً الأولى، وهو يرى منامات تدور في مراتع طفولته ومراهقته "هناك". قال: لم يدُر لي حلمٌ واحد في هذه المدينة.
ـ بلادك حيث جغرافيا أحلامك.

صديق آخر، أكبر سنّاً، حكى أشياءَ عن "الأُمّ " التي تُوهبُ لمرةٍ واحدة. وبعدَها، جميع البلاد، زوجات أب.

وأنا سمعت وسهّمت. فما الذي فيك أيتها "البلاد"، يجذبهم كنشارة المغنطيس؟
ألأنكِ سُرقتِ؟ ألأنكِ المنزل الأول؟ الشهقة الأولى، سيّانَ من أَثَر جمالٍ أم سواه؟

غادرنا الجبل، وكان ثمة سنونو بعيد يقترب ثم يغيب في وهج الشمس الربيعية.

ـ كلا يا صديقي! تحدّث عن نفسك فقط، أنا لا أحتمل مجرد الفكرة.

وفي الليل، استرجعت خلاءَ رقادِهم الأبديّ، ولم يكُ بدّ ..


(برشلونة)

دلالات
المساهمون