الكتاب العربي مشنوقاً بحبال الرقيب

08 مايو 2014
جناح الشبكة العربية مستبدَلاً بأكاديمية الأطفال/ الرياض
+ الخط -
لم يثر خبر إغلاق جناح "الشبكة العربية للأبحاث" في معرض الكتاب في الرياض 2014، ثم لاحقًا في أبوظبي قبل أيام - في خطوة "تعاونية"- ردة فعل أو شجب توازي أهمية ودلالات هذا المنع وتداعياته.

وهذا يعود إلى أنه وفي الدول العربية، تكاد تكون محسومة حقيقة أن السلطة الثقافية والسلطة السياسية لا تقفان في نفس الدرجة كما هو مفترض، بل في تسلسل هرمي مُجحِف، حيث تحدد السلطة السياسية كافة الممنوعات والمسموحات، في محاولة لتدجين وترويض السلطة الثقافية وسحب أي صلاحيات قد تهدد أو تزعج السياسيّ.

المتتبع لما يحدث في معارض الكتاب، وتحديدًا في الرياض، يجد مؤشرات قوية على أن هذه السلطة تخوض حربًا غير عادلة مع سلطتين نافذتين في الوقت نفسه: السياسية والدينية. ففي نفس المعرض، انتشر مقطع لمجموعة من الشيوخ المحتسبين وهم يتناولون بعض الكتب ويقرؤون جهرًا ما أسموه بالمقاطع "الشركية" من بعض الكتب الشعرية. وعلى إثر "احتسابهم"، قامت إدارة المعرض بسحب كتب محمود درويش لاحتوائها على "عبارات كفرية" حسب ما ذُكر.

وبالمقابل، ونقلًا عن رئيس جمعية الناشرين السعوديين أحمد الحمدان، فمُنع أيضًا ما أطلقوا عليه "كتب الإخوان المسلمين"، لأنها - وحسب قوله - "تشكل خطرًا على الأمن الفكري".

معرض الرياض لا يكاد يخلو من حوادث شبيهة، ففي عام 2012، قامت جماعات دينية متشددة بتهديد المعرض علناً، لسببين: الاختلاط بين الجنسين، واحتوائه على كتب تم وصفها بالـ"كفريّة" لم تمنعها الرقابة. وعلى إثر ذلك كان هناك وجود عسكري ونقطة تفتيش أمام مدخل المعرض. كان المشهد يبعث على الحزن والسخرية، مما حدا بأحد المغردين إلى التعليق "أنا في المعرض العسكري الذي تتواجد به بعض الكتب".

هجوم الجماعات الدينية المتشددة على الثقافة والمثقفين أمر مألوف جدًا في دولة كالسعودية، تحت صمت وموافقة سياسية؛ فالسلطة تدرك تمامًا أهمية استنزاف طاقة المثقف بتوريطه في صراع دائم مع عناصر من المجتمع، حتى ينشغل الطرفان بنزاعاتهم الأزليّة عن أي مطالبات بالإصلاح السياسي. ومن حين لآخر، تتدخل السلطة لحجب كتاب، أو نفي كاتب، أو إغلاق دار نشر، حتى تذكّر المثقف، والمتشدد، والقارئ، والكاتب، جميعًا، بمن يملك الكلمة الأخيرة في هذا الشأن.

هذه الانتهاكات المؤسفة بحقّ البشرية - وليس الثقافة وحسب- تستدعي استحضار القرار الملكي الصادر عام 2011 بتعديل عدة مواد من نظام المطبوعات والنشر في السعودية، نذكر منها حظر التالي من النشر "بأي وسيلة كانت": "- ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة.
- ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية.
- التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أي من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة".

التعديلات الأخيرة على نظام النشر تضع حصانة غير منطقية للشخوص السياسية والحكوميّة والدينية، في إشارة صريحة إلى تراتبية الأدوار الثلاثة: السياسي، الديني، ثم الثقافي.

لا يمكن إطلاقًا، بعد ذلك، أن تكون الكتابة أو القراءة فعلاً حرًّا وممارسة إنسانيّة خالصة، بل تصبح فعلاً مدجّنًا ومهجّنًا ومنزوع الريش: لا يمكنه التحليق ولا الموت- بل يمارس حياة الدجاج في الأقفاص الآمنة، ينقنق وفق القوانين، ويلتقط -ممتناً- بمنقاره كلّ ما يُرمى له.

"الكتاب … قنطرة الحضارة" كان شعار معرض الكتاب الفائت في الرياض؛ شعار باذخ يخفي خلفه الكثير من الممارسات القهريّة والمُهينة ضد الكِتَاب. وفي ذات الوقت الذي تمارس فيه طقوس الاحتفاء بالكتاب، يتمّ شنقه علنًا وسط غبطة الجماهير، في فعل أقلّ ما يمكن وصفه بالسّادية الثقافية.

* كاتبة وأكاديمية من السعودية 

المساهمون