لا جديد لدى الكوميديا

08 أكتوبر 2014
(مقطع من ملصق المهرجان)
+ الخط -

شكّل "المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي" في مدينة المدية الجزائرية، الذي اختتم الأسبوع الماضي، وأسفر عن تتويج مسرحية "الصاعدون إلى الأسفل" لأحمد رزاق بـ"جائزة العنقود الذهبي"، ومسرحية "ليلة القبض على جحا" لهارون الكيلاني بـ"جائزة لجنة التحكيم"، محطة للمسرحيين الجزائريين، طرحوا فيها الأسئلة المتعلقة بهذا النوع المسرحي، في ظل التحولات الكثيرة التي مسّت كثيراً من المفاهيم، ومنها مفهوم الضحك ذاته.

يمتدّ المسرح الفكاهي في الجزائر إلى الزمن الاستعماري، حيث تحايل المسرحيون على الرقابة الفرنسية، ومنهم محمد التوري مؤسس "المسرح الكوميدي" (1914 ـ 1959)، فدسّوا خطاب الحرية والاستقلال في توابل الفكاهة، التي تراجعت بعد الاستقلال الوطني، بسبب "الجدية" التي ظهر بها الخطاب الرسمي حثاً على التفرّغ للبناء، ما عدا محاولاتٍ قليلة رافقها التلفزيون الرسمي، منها تجربة حسن الحسني (1916 ـ 1987) الذي يحمل المهرجان اسمه، والتجربة المشتركة للثنائي حاج عبد الرحمن ويحي بن مبروك، التي تمّ الاحتفاء بها في هذه الدورة.

يرى الكاتب المسرحي حميد بركات أن هناك تداخلاً في المشهد الجزائري بين الكوميديا والتندّر والسخرية والضحك والفكاهة، والدليل أن المهرجان مرّ على أكثر من تسمية من هذه المسمّيات، قبل أن يستقرّ على التسمية الحالية، منبّهاً إلى أزمة المصطلح التي تعانيها جميع الحقول الفنية في الجزائر.

لأن الإنتاج الفني - بحسب بركات - يتحرّك بمعزل عن المرافقة المعرفية والنقدية للمتخصصين: "نستطيع أن نتفهم ذلك في السابق، من منطلق أننا كنا بصدد مراكمة التجارب. أما اليوم فنحن مطالبون بالاحترافية في جميع الجوانب، ومنها ضبط المصطلحات".

تبنّى المخرج المسرحي لطفي بن سبع هذا التوجّه، ودعا إلى مضاعفة التركيز على الورشات والملتقيات العلمية المرافقة، لتصير أهمّ حدث في المهرجانات المسرحية التي قال عنها إنها لا تستطيع أن تقدّم شيئاً بعيداً عن هذا المعطى.

وتساءل بن سبع عن المغزى من مشروع "مسرح في كل محافظة" الذي شرعت الدولة في إنجازه، بالموازاة مع افتقاد المشهد لمعاهد التكوين، باستثناء معهد واحد يحتاج بدوره إلى سياسة جديدة خاصة به، حتى يعطي الثمار المرجوة منه.

وفي معرض مقارنته بين أجيال المسرح الفكاهي في الجزائر، قال بن يوسف حطاب، أحد أبرز ممثلي الرعيل الأول، إن جيله كان لصيقاً بالشارع، ومن ميزاته أنه كان هو من يخلق الفكاهة لهذا الشارع حتى يتجاوز مراراته المختلفة، وينخرط أكثر في الحياة، "انطلاقاً من هذه الروح، فقد كنا نبدع الفكاهة للشعب لا أن نأخذها منه. إنني أرى اليوم أن الفكاهة موجودة عند رجل الشارع، وليست عند رجل المسرح".

نقلنا هذا الهاجس إلى المخرج ربيع قشي، أحد مؤسسي مسرح الشارع في الجزائر، فقال لنا إن تأمّلاً بسيطاً في النكتة المنتشرة في الشارع الجزائري الجديد، يجعلنا ندرك شساعة الذكاء الذي بات يميزه، "نكتة عميقة، ذكية، ومفتوحة على التحولات الحاصلة في السياسة والتكنولوجيا والحياة. ماذا فعلنا نحن المسرحيين، لنواكب ذلك كله؟".

قشي نسب الهوة الموجودة اليوم بين الجمهور والمشتغلين في المسرح الفكاهي، ليس في الجزائر فقط، بل في الوطن العربي كله، إلى الفارق في الذكاء بين المتلقّي والفنان، حيث ظل هذا الأخير محتفظاً بالاعتقاد القائم على أنه يجعل هذا المتلقّي يضحك على واقعه، أو ما يُعرف بالضحك الأسود، في حين أن المتلقي يفعل ذلك بنفسه، على الجدران وفي الفضاءات العامة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

من جهته، قال المخرج شيخ عقباوي إن هذا الجيل الجديد لم يفرز فنانين جدداً، وبقي يقتات على رصيد القدماء في المسرح الفكاهي، لأن طغيان النزعة نحو "المدرسة الفرنسية"، بحسبه، كرّس ظاهرة التقليد لتجارب سابقة، وحال دون استمرار "المدرسة الجزائرية" التي أسس لها محمد التوري وحسن الحسني (بوبقرة) وعثمان عريوات.

وأضاف: "إننا نجني ثماراً سيئة للإعلام الاستعجالي ومسرح السندويتش الذي بات يكرّس الفكاهة العابرة، حيث صار الابتذال والسوقية مرادفين للضحك، متناسين أن أساس الكوميديا هو الوضعية، مثل شارلي شابلن، كان يُضحك من دون كلمة".

ختاماً سألنا الكاتب محمد زتيلي، رئيس لجنة تحكيم هذا "المهرجان"، الذي حملت دورته الأخيرة اسم "الثنائي الفكاهي حاج عبد الرحمن ويحيى بن مبروك"؛ عمّن يكتب هذا النوع من المسرح في الجزائر. قال إن هناك أقلاماً قليلة، وعادة ما لا يلتفت إليها، في ظل انتشار ظاهرة الكاتب/ المخرج، ما كرّس الهزال في هذا النوع من المسرح الذي يحتاج جرعة زائدة من الذكاء.

صاحب كتاب "اللصوص المحترمون" أبدى أسفه على غياب ثقافة الاحتفاء بالكتابات الفكاهية والساخرة في الجزائر، سواء في الأدب والمسرح، أو في الصحافة المكتوبة، مذكّراً بتوقف جريدة "مسمار" التي أنشأها بالتعاون مع القاص الراحل مصطفى نطور، بسبب قلة الإقبال على هذا النوع من الكتابات.

المساهمون