حتى عشرينيات القرن الماضي، لم يقترب الفنانون الروس من الانطباعية التي ظلّت تمثّل بالنسبة إليهم الطبيعة نفسها، وبالتالي لم تستهوهم محاكاة التجارب الأوروبية التي سبقتهم بنصف قرن تقريباً، إلى أن تغيّر الأمر مع صعود رسّامين مثل يوري بيمينوف الذي تشهد موسكو معرضاً استعادياً لأعماله.
حتى التاسع من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل، يتواصل في "قاعة تريتياكوف الجديدة" بالعاصمة الروسية المعرض الذي افتتح في الثامن من الشهر الماضي، ويضمّ مختارات من لوحاته التي رسمها ما بين العشرينيات والسبعينيات، في احتفاء يتمّ للمرة الأولى للفنان الروسي (1903 – 1977) منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.
يضمّ المعرض اثنتين وعشرين لوحة تشكّل جزءاً بسيطاً من إرث بيمينوف الذي أتلف معظمه بنفسه بعد أن اكتشف أنها لا تتماشى مع العصر الجديد، بحسب وجهة نظره، لكن خبراءً من العرض استطاعوا استعادتها بناء على صورها الفوتوغرافية التي لا يزال يُحتفظ بها لهذه اللوحات.
عُرف الفنان بلوحة "موسكو الجديدة" التي رسمها عام 1937، وتحتوي رسماً لامرأة تجلس وظهرها للمشاهدين خلف عجلة القيادة في سيارة سوفييتية مكشوفة أثناء قيادتها بالقرب من مسرح البولشوي، في إشارة إلى الحياة المدنية المزدهرة زمن ستالين. وبالرغم من اعتبارها رمزاً لذلك العهد، إلا أن المنظّمين أوضحوا أن بيمينوف كان تعرّض في الثلاثينيات إلى نقد لاذع من قبل السلطات والصحافة بسبب ولَعه بالفن الانطباعي والتجريدي أيضاً.
بدأ الفنان السوفييتي مشواره كعضو في "تجمّع الثلاثة" الذي ضمّ معه الفنانين ألكسندر دينكا وأندريه غونشاروف حيث تأسّس عام 1924، لكن في الثلاثينيات عندما كان النظام يحارب التيّار أو المدرسة الشكلية، وهيمنت الواقعية الاشتراكية الستالينية على الفنون، اضطر بيمينوف لتغيير أسلوبه بشكل كبير.
يشير النقّاد إلى أن تجربته تأثّرت إلى حد بعيد بالفنان الألماني أوتو ديكس مع تأثيث فضاءات بمشاهد من الحياة اليومية في روسيا آنذاك، قبل أن يعاني من أزمة نفسية حادّة ويتوقّف عن العمل في الثلاثينيات، ليعود للعمل، بعد أن آمن بمقولة ستالين: "الحياة أصبحت أفضل، أصبحت الحياة أكثر متعة"، وفق منظور أيديولوجي للفن يتبنّى الواقعية الاشتراكية.
المعرض الحالي يستعيد الأعمال الأولى لبيمينوف إلى جانب أعمال أخرى ضمن رؤية تقسّمها إلى ثلاثة أقسام؛ الأول يقدّمه كفنان انطباعي في العصر السوفبيتي يميل إلى الخفّة والأناقة في إظهار الواقع، والثاني مخصّص لرسوماته الواقعية، بينما يضيء الثالث إبداع الفنان التشكيلي في السينما والمسرح أعوام 1920 – 1970، حيث صمّم العديد من الديكورات وملصقات الأفلام والمسرحيات، بالإضافة إلى رسوماته التوضيحية في عدد من الكتب.