وقفة مع هُدى حمد

18 مارس 2023
هُدى حمد
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة عن انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. " أشعر بأنّ عدم الرضا الأبدي هو ما يدفعني إلى خلْق جديد"، تقول الكاتبة العُمانية في حديثها إلى "العربي الجديد".
 

■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
يشغلني التفكير في البشر من حولي، أولئك الذين أتقاطع معهم في صُدَف الحياة. ماذا لو كانوا مجرّد جثث مع وقف التنفيذ؟ جثث تمضغ الطعام وتتدرَّب على الضحك، وتتكاثر كأنَّما لا شيء يُعطّل حياتها! أفكّر بأنّني لا أستطيع عبور كثافتهم المُرعبة، وأكثر ما يروّعني أنّهم ليسوا مجرّد جثث تمشي وحسب، ففي رؤوسهم حكايات. تدوّخني فكرة امتلاكهم للحكايات، الأمر الذي يجعلني مُنجذبة ومهووسة بتأمّل الصخب الذي يُحْدثونه في عقلي. يا إلهي... عندما يغلقون أبواب بيوتهم، هل تستمرّ قصصهم الفردية بالنموّ والتوالد حقّاً؟ كم تعصفُ بي هذه الفكرة! 

■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ القادم؟
رواية "لا يُذكَرون في مجاز"، التي صدرت عن "دار الآداب" عام 2022. ولا شيء مُحدَّد بشأن العمل القادم.

■ هل أنتِ راضية عن إنتاجك ولماذا؟
الرضا حالةٌ لا تُدرَك في الكتابة. أُصاب بكراهية أعمالي بعد صدورها، ففي كلّ مرّة يتبدَّى لي أنّه ليس النصّ المثال الذي أحلم به. لكن، ربما "الرضا" يُميتُ الرغبة في كتابة شيء جديد. أظنّ أنّ باختين هو الذي قال إنّ "الرواية عمل غير مكتمل". هنالك دوماً ما يُمكنك أن تضيفه أو تحذفه. هنالك ما يمكن أن تحسّنه أو تندم عليه. وكما قال أحدهم يوماً: "دخول العمل إلى المطبعة هو الذي يضعُ حدّاً للكتابة، وليس الانتهاء منها". ولذا أشعر بأنّ عدم الرضا الأبدي هو ما يدفعني إلى خلْق جديد.

■ لو قُيِّضَ لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
من حيث بدأتُ تماماً. من حيث كان سطحُ بيتنا مسرحي الشاسع، ونخلات جدّي أوّل مَن أصغى إليّ، الأكاذيب الصغيرة والترّهات التي ملأتُ بها أدمغة أخوتي وأبناء الجيران عند انقطاع الكهرباء. المحرقة الصغيرة التي التهمتْ قُصاصاتي وأفكاري الأُولى. ثمّ الإيمان المتأخّر بأنّي لا أصْلح لشيء أكثر من هذا الانكباب الجنوني.

سطحُ بيتنا مسرحي الشاسع، ونخلات جدّي أوّل مَن أصغى إليّ

■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
أحلمُ بفرصة التحدّث مع الألم الذي عبَر البشرية منذُ بدء خلقها. تُساورني هذه الرغبة بقوّة. أريدُ أن أُصغي إلى الأسباب التي تدفعه إلى كلّ هذا الجموح الجنوني. أريد أن أفهم منطقه وأسبابه، أفكّر: ماذا لو كان باستطاعتنا أن نلتقي حقّاً، لنتحدَّث، لا لكي يهزمنا؟

■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
أتمنّى أن ألتقي بالكاتبة الأميركية لويزا ماي آلكوت، كاتبة رواية "نساء صغيرات"، فأنا مدينةٌ لها بالشكر. إذ عندما أحرقتُ كلّ قصاصاتي الكتابية ودفاتري وصوري الشخصية وأنا طالبة في الإعدادية بسبب التنمّر؛ جاءت جو مارش، بطلة الرواية، وقت اليأس والقنوط، لتُعيدني مجدّداً ــ في صدفة قَدَرية ــ إلى الالتحام بنسيج الكتابة.

■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
صديقٌ مُتخيَّل يسكنُ رأسي منذ الطفولة، قارئ نهم، يعيد تفكيك الأشياء المُعقّدة من حولي ويُعقّد ما هو عادي. يكتبُ معي بقدر ما يمحو. في الأوقات الصعبة يُعيد كَرَّ شريط حياتي ليريني تفاهة الأشياء والبشر والحياة. قد يكون هذا الصديق فكرةً أو شخصية هاربة من الروايات، قد يكون أيّ شيء آخر، لكنّه مُحرِّضٌ أصيل لسيل من الخيالات والأفكار.

■ ماذا تقرأين الآن؟
انتهيت للتوّ من قراءة رواية محمد الفخراني "غداء في بيت الطبّاخة"، حيث يغدو للحرب صوتٌ ومبرّرات، وحيثُ تأمَلُ الحرب بالحصول على قصّة حبّ وحياة عادية. وعلى وشك البدء بكتاب مثير بعنوان "تاريخ البكاء" لتوم لوتز.

■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أحبُّ كثيراً العودة إلى الأغاني التي رافقت الأفلام العربية بالأبيض والأسود. وعندما يتكاثر الحزن من حولي كالفطر السام أعود إلى موسيقى المسلسلات القديمة، بما فيها مسلسلات الكرتون في فترة الثمانينيات، كأنّما أعيدُ ارتباطي بنقاء الطفولة المفقود.


بطاقة
كاتبة وصحافيّة عُمانية من مواليد 1981. حاصلة على إجازة في الأدب العربي من "جامعة حلب". تكتب في صحف ومواقع عُمانية وعربية منذ عام 2005، وتعمل مديرة لمجلّة "نزوى". من إصداراتها في القصّة: "نميمة مالحة" (2006)، و"ليس بالضبط كما أريد" (2009)، و"الإشارة برتقالية الآن" (2013). وفي الرواية: "التي تعدّ السلالم"(2014)، و"سندريلات مسقط" (2016)، و"أسامينا" (2019)، و"لا يُذكَرون في مجاز" (2022) التي حازت جائزة أفضل إصدار روائي عُماني في 2022.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون