تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "أظنّ أن احتقارنا لبعضنا وعزمنا على إلغاء الآخر المختلف يمثّل منبع الشر الأكبر في حياة البشر"، يقول الروائي السوداني في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني هذه الأيام التفكير بأن أنتقل بمشروعي الروائي نحو وجهة جديدة. كتبت حتى الآن أربع روايات، ثلاث منها قد نُشر بينما الرابعة في طور الإعداد للنشر، وتناولت جميعها، بدرجات متفاوتة، قضايا الهجرة واللجوء والجندر. أدرس حالياً فكرة تقديم معالجات روائية تاريخية (تخييل تاريخي) لبعض الفترات والأحداث والشخصيات من التاريخ السوداني، وربما أبدأ قريباً بشخصية الزبير باشا رحمة الذي يُعتبر شخصية إشكالية في التاريخ السوداني المعاصر.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
صدرت لي مؤخراً رواية "شمسان على النيل" عن دار "هاشيت أنطون"، ببيروت، والتي سبق أن صدرت في طبعة أولى في تونس العاصمة تحت عنوان "نورس يهجره السرب" عقب حصولها على المرتبة الأولى لـ "جائزة توفيق بكار للرواية العربية" في دورتها الثالثة لعام 2021.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
أنا مثل غيري من الكتّاب، أبحث عن كمال لا يمكن الوصول إليه على الإطلاق. بعض الأحيان وأثناء الكتابة أحسّ بالرضا عمّا أكتب، ولكن عند اكتمال النصّ أحسّ دائماً بأني فشلت في أن أقول ما أردت قوله وفي الطريقة التي يجب أن أقوله بها.
■ لو قُيِّضَ لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
أنا راضٍ عن المسار الذي اتّخذتُه لحياتي من كلّ النواحي، ولو قُيِّض لي العودة إلى نقطة البدء فسأضع رجلي على ذات المضمار. أواجه كثيراً من الصعوبات، وعقدت بعضُ خياراتي حياتيَ، لكن أظن أن كلّ هذه الأشياء جعلت لحياتي مذاقاً مميّزاً، يخصّني، وخلّصتها من رتابة سكون الحياة الهادئة التي تمضي في خط مستقيم من البداية إلى النهاية.
الطيّب صالح مُعلّمي الأوّل والخالد
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
أن نتقبّل بعضنا البعض، أن نحترم خيارات وتوجّهات الغير، أن نتسامح مع مَن يختلف عنّا، أن ندافع عن حرّية كلّ شخص في أن يكون الشخص الذي يراه مناسباً. أظنّ أن احتقارنا لبعضنا وعزمنا على إلغاء الآخر المختلف يمثّل منبع الشر الأكبر في حياة البشر.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أظن أني أود أن ألاقي النبي محمد (ص)، الذي سيستمرّ تأثيره الكبير على البشرية إلى ما لانهاية. دائماً ما أفكّر أن ما رُوي عن النبي في مختلف شؤون الحياة قد خضع لأهواء بعض الرواة ومحدودية رؤيتهم المرتبطة بالزمان الذي عاشوا فيه، فانتقوا من حديثه ما ظنّوا أنه ضروري لحياتهم، ولكنّهم حتماً عجزوا أن يلتقطوا منه الحَثّ على تقديس القيَم الإنسانية الكبرى المرتبطة بالخير والحق والجمال والحرية الشخصية واحترام الاختلاف والتنوّع، ولفّقَ بعضهم أحاديث على لسانه تحطّ من الكرامة الإنسانية، فتعقّدت بذلك حياة كثير من المسلمين بمن فيهم مهسا، الفتاة الإيرانية التي قُتلت لأن خصلات من شعرها برزت من تحت الخمار.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
يخطر على بالي في كل الأوقات صديق أيام الشباب الأولى، محمد التجاني، الذي هاجر ونحن على أعتاب نهاية المراهقة، ذهب إلى بريطانيا ولم يعد بعدها. كنّا نعيش في مدينة إقليمية تقتلها الرتابة والملل، لكنّه بحيويته المذهلة ومحبّته العظيمة للحياة حوّل هذه المدينة إلى مكان جدير بالحياة رغم كلّ شيء. أنا على يقين بأن حياتي اختلفت واتخذت مسارات جديدة بعد لقائي به ومرافقتي له لسنوات قليلة بحساب العمر.
أعود كثيراً إلى أعمال الروائي السوداني العظيم الطيب صالح، وأحاول في كلّ مرة أن أفهم لِمَ كتابته تمتاز بهذه الجودة العالية. أتأمّل الطريقة التي يبني بها الجملة داخل النص، والطريقة التي ينتقل بها من جملة إلى أخرى، من فقرة إلى أخرى، أتأمّل طريقته في بناء شخصيات لا تفارق ذاكرة مَن يقرأ أعماله. إنّه مُعلّمي الأوّل والخالد.
■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ مذكرات "الزبير باشا" وكتاباً بعنوان "الزبير باشا ودوره في السودان في عصر الحكم المصري"، وأشاهد كل مساء حلقات من مسلسل "التاج"، وهو دراما عن حياة الأسرة المالكة البريطانية ابتداءً من نهاية حكم جورج السادس والد الملكة اليزابيث الثانية.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
ظللت أسمع لوقت طويل السيدة فيروز، وفنانَ أفريقيا الأوّل، السوداني محمد وردي، والفنان محمود العزيز، وهو مغنٍّ سوداني رحل في وقت مبكّر من عمره. لا أتوقف عن سماع الأصوات الجديدة وبلغات مختلفة، وسماع مغنيين عالمين كبار، لكنْ ظل تعلُّقي بهؤلاء الثلاثة لا يُزحزح. في كثير من الأحيان أسمع فيروز وأنا أكتب، ولا أستطيع سماع غيرها أثناء الكتابة، وأظن أنها واحدة من مصادر الإلهام عندي. بعض الأحيان أتوقّف عن الكتابة وأسمع واحدة من الأعمال العظيمة لمحمّد وردي، مثل "الحزن القديم" أو "جميلة ومستحيلة"، وأقول لنفسي: "يجب أن تُنتج نصوصاً إبداعية توازي روعة ما يغنّيه وردي".
بطاقة
روائي سوداني، من مواليد عام 1976، متخصّص في اللغويات التطبيقية. صدرت له ثلاث روايات: "عاصفٌ يا بحر" (2017)، "ربيع وشتاء" (2019)، و"شمسان على النيل" (2022). حائز على "جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي" بالسودان (2016) و"جائزة توفيق بكار للرواية العربية" بتونس (2021).