وقفة مع صفية البكري

22 سبتمبر 2022
صفية البكري
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها.


ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
الغربة التي هي امتداد لحالة تيه تعرّض ويتعرّض إليها الملايين من شعوب العالم العربي، والإصابة بحالة من الذهول وعدم القدرة على التقدّم أو العودة والبقاء في اللامكان واللازمان، أو الوقوع في حالة الاغتراب القاسية. أحاول بجدّ أن أكوّن عالمًا صغيرًا يقدر على تحمّل إرهاصاتي ونجاحاتي وفشلي، عالماً يقع على مسافة مقبولة غير بعيدة من الجنون والإبداع.

فكلّنا يدرك أن التغيير يجري ببطء كبير ومقيت للغاية، لهذا نشغل أنفسنا في أقرب الأشياء التي تمسّ أحلامنا قبل واقعنا. أمور كثيرة تشغلني، مثل العمل والتطوّر المهني والثقافي والأدبي، إذ لا بدّ من مواكبة النماء المهني أوّلًا، حيث عمدت على إكمال دراستي حيث حزت درجة الماجستير عن أطروحة بعنوان "أثر التدريس باستخدام استراتيجية التعلّم المعكوس في تنمية مهارات الفهم القرائي في مبحث اللغة العربية"، كما يشغلني مشروعي الإبداعي للأطفال، والسرد القصصي للكبار بنهج جديد ومختلف.

وتشغلني أيضاً العدالة الاجتماعية والفرص الحياتية المنهزمة والتفكير فيها، والرغبة في الحصول على الأمنيات المؤجّلة المسروقة من جنّة العدم.


ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ المقبل؟
هي مجموعة قصصية تعليمية للأطفال بعنوان "الأخلاق الحميدة"، يمتزج فيها البعد التعليميّ والتربويّ بالسرد المشوّق. والعمل المقبل "سلسلة الخلفاء الراشدين"، تصدر عن دار "ذات السلاسل" الكويتية، بالإضافة إلى مجموعة قصصية للكبار، ما أزال حائرة في اختيار عنوان مناسب له (ربما أسمّيها "بائع الحرنكش")، تتناول معظم قصصها القالب الاجتماعي النفسي التي تعيشه المرأة في المجتمع الشرقي المهجّن والذي يخلق في فضاء النساء عالماً لا يدرك مداه سواهن.

محاولاتي الأدبية جاءت مبكّرة، حيث تمكّنت من كتابة أولى مجموعاتي القصصية وأنا في سنّ صغيرة. قبلها عاهدت نفسي على رحلة يومية طويلة من القراءة الأدبية والعلمية، خاصّة بعد أن تمكّنت من إيجاد ضالتي في العديد من الكتب العربية والعالمية، ما طوّر وحسّن لديّ اللغة، دون تخطيط مسبق. أدّت هذه الوضعية بالطبع إلى بداية تفكيري بكتابة الرواية واختراق عوالم الشخوص والمكان والزمان. كلّ ما في الأمر أنني أنتظر زيارة شخوصي القصصية في لقاء واحد حتى أرتّب لهم ضيافة تليق بهم، ضيافة بولادة أفكار تنقلهم إلى أماكن تدهشهم أكثر.


هل أنتِ راضية عن إنتاجك ولماذا؟
الرضا في المفهوم الإبداعي يعني التوقّف، يعني الجمود، وهذا ليس من ثيمة المبدع أو صاحب الإنجاز، بالنسبة إليّ، توقفت عن كتابة القصة القصيرة كوني اتجهت إلى كتابة قصص الأطفال، لكنّني أعود إليها كلّما عجز المعنى عن التحقّق في عوالم الصغار.

أعود إلى القصة كلما عجز المعنى عن التحقق في أدب الطفل


لو قُيّض لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
الفن التشكيلي هو الأقرب إلى نفسي، لو لم أختر الكتابة، إذ رسمت العديد من اللوحات والكاريكاتير حتى عام 2010، لكن السرد أخذني إلى مساحات لم يعد بإمكاني التراجع عنها. ولديّ محاولات في كتابة الرواية قد ترى النور قريباً بعد أن أجد خاتمة لها.


ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
لم نعد بحاجة للسلام الروحي الذي يتحدثون عنه كثيراً، ولا لدفء القلوب. فقد نضجنا من عثرات تلك العبارات المغلّفة، وما عادت الأشياء كما كانت. كلّ ما في الأمر أن نكتفي بأيّة لحظة طمأنينة أو سُكون عابرة تنسينا تشوّهات الواقع الذي نعيش.

شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
اسمحوا لي بالمفارقات التي أجد حاجة إلى ذكرها إذا ما أردتُ الانتقال إلى أزمنة ماضية؛ الشخصية الأولى هي الخليفة أبو بكر الصديق، الذي كان يمتلك الحكمة والدهاء والحزم السياسي، دون أن نغفل صفات الرحمة والرأفة في شخصيته؛ وأبو الطيب المتنبي الذي كان صاحب كبرياء عجيب وحبّ للمغامرة والفلسفة، وهو من الشعراء الذين اكتسبوا أهمية تجاوزت زمانهم ومكانهم. كما أتمنّى لقاء قسّ بن ساعدة الذي أكسب النثر ــ ممثّلًا بالخطابة ــ قيمة تضاهي الشعر في زمنه قبل الإسلام.

أنتظر زيارة شخوصي القصصية حتى أرتّب لهم ضيافة تليق بهم


صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
حسناء أبو رمّان. كانت معلّمة وصديقة وأُمّاً ألهمتني الكثير لأكونه حتى في مراحل عمري المتقدّمة. أمّا الكتاب فهو الذِكر الحكيم الذي أعود إليه في فرحي وتعبي فأجد ضالّتي عنده براحة وأمان.


ماذا تقرأين الآن؟
بين يدي الآن "لعبة الملاك" للكاتب الإسباني كارلوس زافون، وكتاب "رحلات في حُجرة الكتابة" للكاتب الأميركي بول أوستر الذي يتفنّن في كتاباته عن الوجودية والعبثية والهوية الإنسانية؛ العنوان سيخدعك في البداية وتظن أنه سيأخذك لرحلة كتابة... أترككم لقراءته لتكتشفوا بأنفسكم، ستدخلون بكامل شغفكم لمعرفة سرّ السيد بلانك الذي نجده في غرفة لا نعرف ماهيّتها ولا إن كانت تنتمي إلى بيت أو سجن أو ربما مكتبة.


ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
لا أعرف السرّ الذي جعلني أكبر في حبّ الموسيقى النقية، دون كلمات، موسيقى متناغمة مع إحساسي فقط. أذكر "سيرة الحبّ" و"الأطلال" لأم كلثوم، وأغاني عبد الوهاب التي ما أزال أذكر والدي في طفولتي يؤدّي بعضها، بالإضافة إلى أغاني فاطمة عيد وعبد الحليم حافظ.


بطاقة
قاصة أردنية وكاتبة للأطفال تحمل درجة الماجستير في المناهج وأساليب التدريس. عملت محرّرة وكاتبة في عدد من الصحف والمجلّات الأردنية والمواقع التربوية العربية، وأصدرت ثلاث مجموعات قصصية، هي: "قِلاع الصمت" (2005)، و"دم برتقالي" (2005)، و"لماذا توقّف القطار؟" (2018)، والعديد من الإصدارات الأدبية للأطفال في القصّة والمسرح.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون