وقفة مع سعاد العنزي

31 يوليو 2023
سعاد العنزي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "أحلم بمستقبل نقدي ثقافي واعد في الوطن العربي، يصنع مشهداً نستحقّه كأمّة حضارية"، تقول الأكاديمية الكويتية لـ"العربي الجديد".



ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟

- كتابة بعض الدراسات في النقد الأدبي الحديث، والقراءة والاطّلاع على أعمال أدبيَّة ودراسات ثقافيَّة تُعيد قراءة التاريخ الحديث للوطن العربيّ وانعكاسات ذلك على الأدب والمُنتجات الثقافية على نحو عام.


ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ المقبل؟

- صدر مؤخّراً كتابي "لست هناك ولست هنا"، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه، ونقلها عن الإنكليزية المترجِم السوري عهد صبيحة. الكتاب دراسة لتشكيلات الهويَّة عند إدوارد سعيد ومحمود درويش، وفقاً لنظريَّة ما بعد الاستعمار. أمَّا عملي المقبل، فأنتظر بعض الوقت حتّى أشرع فيه. لديّ أكثر من موضوع، لكن لا أعلم بأيِّ هذه الموضوعات أبدأ. 


■ هل أنتِ راضية عن إنتاجك، ولماذا؟

- إلى حدٍّ ما، لكن بوسعي أن أُطمئنّ نفسي بأنَّني مع الزمن سأتطوّر وأتقدّم وأستفيد من كلِّ هذه التفاصيل الهائلة المُحيطة بعالمنا اليوم، لأوظّفها في دراساتي المستقبليَّة، وخصوصاً لأنّ النقد الأدبيَّ بنظريَّاته المتعدِّدة يُزوِّدنا بموادّ خصبة للبحث والقراءة والكتابة. أحلم بمستقبل نقديٍّ ثقافيٍّ واعدٍ في الوطن العربيِّ يصنع مشهداً ثقافيّاً نستحقُّه كأمَّة عربيَّة مُشاركة في صنع الحضارة.

تجربةُ توفيق الحكيم عتبة مهمّة في حياتي لفهم العالَم


لو قُيّض لكِ البدء من جديد، أيَّ مسار كنت ستختارين؟

- المسار نفسه، لكن بتركيز أكبر، واجتهاد أكثر، لا سيَّما في فَهْم حركة النقد وتطوُّره في مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة، والكتابة في هذه المواضيع بكثافة في وقت مبكّر. لدينا الكثير ممّا نقوله لنسدَّ الفجوة بين ما جرى إنجازُه في الدراسات العربيَّة، وما جرى إنجازه في الدراسات الغربيَّة. 


ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- في الوطن العربيِّ، أتمنَّى أن يتطوَّر منسوب الوعي، بازدياد مُعدَّلات القراءة والاهتمام بالدراسات الفكريَّة والمعرفيَّة التي تجعلنا نواجه كلَّ التحدّيات التي نُواجهها كأمَّة بالفهم الثاقب، والوعي الحادِّ، والقدرة على الاستمرار الخلَّاق في هذا الوجود. كما أتمنَّى أن نعيش في عالم إنسانيٍّ مُتقدِّم فيه المزيد من الحرّيَّات، وأنصار المهمَّشين في هذا العالم، عالمٍ كونيٍّ ينبذ العنف والطائفيَّة والعنصريَّة، كما يدعو إدوارد سعيد إلى الانتماء إلى كلِّ العالم الرَّحب ذي النوافذ المتعدِّدة، نوافذ الثقافة الإنسانيَّة.


شخصيّة من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 

- الناقد المصريّ طه حسين. حقيقةً تلفتني جُرأته وشجاعته في طرح آرائه في زمنه، حيث بدايات أسئلة النهضة والتطوُّر في وسط ثقافيٍّ لم يكُن مُنفتحاً، وكان مليئاً بالوصايات الدينيَّة والاجتماعيَّة؛ في هذا الوسط استطاع هذا الناقد الفذُّ أن يخلق حركة.  على المستوى الشخصيِّ أجدُه شخصاً قويّاً مُثابراً، رغم كونه كفيفاً؛ لقد خلق عالماً مضيئاً، وأسمَعَ العالَم صوتاً، وأنار الطريق أمام الكثيرين؛ لقد كان حالة نادرة واستثنائيَّة في عالم الثقافة العربيَّة، وفي العالَم الأكاديميِّ على وجه الخصوص. أمَّا الشخصيَّة الثقافيَّة الثانية، فهي مي زيادة، حيث يلفتني كيف استطاعت في ذلك الزمن إنجاز ما أنجزته؛ الكتابة والترجمة من وإلى لغات متعدِّدة، وإدارة صالون أدبيٍّ باقتدار لعشرين عاماً؛ والكتابة بمفاهيم اليوم والاطّلاع الواسع، فهي لا تُخاطب أبناء جيلها فقط، بل تُخاطب الأجيال القادمة. كيف استطاعت، وهي امرأة، أن تعتلي عَرْشَ الثقافة بثقة واقتدار؟ وأخيراً لماذا لم تصمد أمام أزمتها الأخيرة وانهارت وتداعت بذلك الشكل المأساويِّ؟ لماذا كتبت قصَّتها كتراجيديا إغريقيَّة لا تزال أصداؤها تُوجع قرَّاءها إلى اليوم؟

أمنيتي أن نعيش في كوكب إنسانيٍّ ينبذ الطائفية والعنصرية

صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟

- رواية توفيق الحكيم "عصفور من الشرق"، حيث يرتبط هذا العمل بجسر العبور الذي مررتُ به من القراءات التقليديَّة إلى قراءات أكثر انفتاحاً على العالم كلِّه. تُمثِّل تجربة هذا الأديب والمفكِّر المصري عتبةً مهمَّة في حياتي لفَهْم العالم، كما أشعر بالحنين إلى تلك المرحلة المليئة بالشغف والأمل.


ماذا تقرأين الآن؟

- مجموعة من الروايات العربيَّة الصادرة مؤخّراً. أحاول أن أفهم التطوّرات التي حصلت في الشكل والثيمات المطروحة اليوم وتأثير جائحة كوفيد عليها.


ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- ذائقتي الموسيقيَّة متنوِّعة. لقد أدمنتُ في الماضي الموسيقى العربيَّة وفنّانِي الصفِّ الأوَّل: أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ووردة الجزائرية. اليوم أستمع لأغانيهم بأصوات الفنّانين الشباب وهي استعادة رائعة للزمن الجميل. أعشق تجربة لطفي بوشناق وقوَّة صوته وشموخه، كما أحبّ تجربة مارسيل خليفة المرتبطة بالقضيَّة الفلسطينيَّة، وأرى في فايا يونان صوتاً واعداً وفكراً جديداً، حيث أصبحت الأغنية اليوم أكثر حياة وتنوّعاً.

بالعموم أحبُّ الأغنية التي تتقاطع مع يوميَّاتنا، وترسم تفاصيلها، أكثر من تلك الأغاني العاطفيَّة ذات الموضوعات المتكرِّرة، كما أحبّ موسيقى نصير شمّة، ومعزوفات العود لبليغ حمدي والسنباطي التي أميل إلى استماعها بين فترة وأُخرى. ذائقتي الموسيقية شرقيّة بحتة.



بطاقة

كاتبة وناقدة وأكاديمية كويتية من مواليد عام 1981. حاصلة على شهادة الدكتوراه من قسم الدراسات الشرق أوسطية في "جامعة مانشستر"، عن رسالتها "لست هناك ولست هنا: تشكيلات هوية ما بعد الاستعمار في أعمال إدوارد سعيد ومحمود درويش" عام 2016. من مؤلّفاتها النقدية: "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" (2010)، و"رواية المرأة الكويتية في الألفية الثالثة" (2013)، و"الهوية العربية بين التخييل والواقع" (2017)، و"نساء في غرفة فرجينيا وولف" (2021)، كما نُشرت لها أوراق بحثية حول النقد ونظرية الأدب في عدد من الدوريات العربية المختصّة.

وقفات
التحديثات الحية
دلالات
المساهمون