وقفة مع جوسلين اللّعبي

29 يونيو 2021
جوسلين اللعبي
+ الخط -

■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
ما يشغلني حالياً هو أمرٌ يصعب عليّ قولُه لأنّه خاصٌّ جدّاً. ولا أريد أن أعطي إجابةً أُخرى كاذبة.

■ ما هو آخر عمل صدر لكِ؟ وما هو عملك القادم؟
بدأتُ منذ زمن طويل روايةً تدور أحداثها حول إسبانيا. رواية هجينة إن صحّ القول، إذ تمزج بين ذكرياتٍ وأفكار شخصية حول إسبانيا، حول لُغتها وخصوصيّاتها وغِناها الثقافي. كما تمزج إلى ذلك شغفاً قديماً عندي بهذا البلد، وبمرحلةٍ تُعَدّ في الوقت نفسه سوداويةً وغنية من تاريخ الأندلس؛ أقصد مرحلة ملوك الطوائف، ولا سيّما في إشبيلية، بما فيها من شخصيّاتٍ أبرزُها الملك الشاعر المعتمد بن عبّاد.
بعد ذلك، انضاف شيءٌ آخر إلى هذه الرواية، وهو الرابط بين الأندلس والمغرب، خصوصاً أنّ تلك المرحلة شهدت وصول المرابطين إلى الحُكم في هذين البلدين. الأمر الذي أضاف بُعداً خاصّاً على علاقتي بهذه الرواية، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار العلاقة القوية التي تجمعني بالمغرب، هذا البلد الذي قضيت فيه نصف حياتي تقريباً.
كما أنّ هذه الرواية، أو مشروع الرواية هذا، ساعدني، من ناحية أُخرى، على الغوص في التاريخ، وهو شيءٌ سبق لي أن فعلته خلال كتابة روايتي "المهرطقون"، التي تناولت القرامطة. إنني شغوفة بالتاريخ إلى حدّ بعيد، رغم أنّ تكويني الجامعي أدبيٌّ وليس تاريخيّاً.

■ هل أنت راضيةٌ عن إنتاجك؟ ولماذا؟
لا! ولهذا السبب، بالتحديد، يأخذ ما أعمل عليه وقتاً طويلاً. أقرأ ما أكتبه وأعيد قراءته بلا توقّف، لكنني أجد نفسي دائماً غير راضية. أتمنى أن يخالطني الرضا يوماً ما، وأن تجد هذه الرواية التي ذكرتُها طريقَها إلى النور، أن يمكنني مشاركتُها مع القرّاء.
أحبّ إلى حدّ بعيد القيام بأبحاث وقراءة دراسات، وإعطاء النصوص عمقاً أكبر. ربما كان هذا الشغف عذراً ــ لا واعياً ــ لعدم التوقّف عن القراءة والبحث، ولعدم وضع نقطة النهاية لهذه الرواية.

القراءة والبحث عذر لعدم الذهاب بالكتابة إلى نهايتها

■ لو قُيِّض لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
كنتُ لأُحاول أن أكون أقلّ كسَلاً، أن أتعلّم لغات أكثر وبشكل أفضل، لأكون أقلّ أُمّيّةً. وكنتُ لِأُحاول أن أثق بنفسي أكثر وأن أبدأ الكتابة أو فناً آخر في سنّ أبكر ــ وهو أمرٌ اكتفيتُ، خلال حياتي، بتلمّسه والاقتراب منه فحسب.

■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
لا أعرف إلى أيّ مصيرٍ يسير عالمنا، هذا العالم الذي يحيّرني. كلّ ما يمكنني تمنّيه هو المزيد من العدالة، على كلّ المستويات، وفي كلّ مكان. لكنّ انعدام الطمأنينة يتملّكني، رغم أنّني أُسعَدُ وأحيّي الكثير من الخطوات التي تدلّ على تقدّمٍ ما، على الرغم من أنه، للأسف، تقدّمٌ لا تستفيد منه حتى الآن إلّا قِلّةٌ قليلة من الناس.

■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
بما أنني كنت أتحدّث عن إسبانيا، فلأقلْ إنني أتمنّى لو التقيتُ فيديريكو غارثيا لوركا. لماذا؟ لأنه واحدٌ من أوائل الشعراء الذين حرّكوا شيئاً فيّ (مع شارل بودلير). لأن الشعر كان وما زال يعني الكثير بالنسبة إليّ. ولأن حظّاً رائعاً حالَفَني بلقاء شاعرٍ مُذهل ورجل استثنائي، أحبّه وأكنّ له كلّ الإعجاب؛ شاعرٍ حظيت بالعيش معه، ولا أكفّ عن الانذهال به كلّ يوم.

■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
كتابٌ أعود إليه بشكل مستمر؟ ثمة الكثير من الكتب التي أُعيد قراءتها، وأحبّ على وجه الخصوص إعادة القراءة بعد سنواتٍ من القراءة الأخيرة. دائماً ما نكتشف شيئاً لم نكن قد انتبهنا إليه. أو إننا، على العكس، نُدرك أن شيئاً ما لم يبقَ من الانبهار الذي عرفناه خلال القراءة الأولى.
أودّ أن أعطي مثالاً هو الأوّل الذي يخطر في بالي الآن: "الحرب والسلم" لتولستوي. ربما قرأتُ هذا الكتاب عشر مرّات، رغم "سماكته". وهو ليس الكتاب الوحيد الذي أعدت قراءته، لكنه بلا شكّ الكتاب الذي قرأته أكبرَ عدد من المرّات. لماذا؟ لا أعرف. ربما لأنه يمزج الرواية بالوصف والتاريخ، أي أنه يمزج الكثير من المكوّنات التي أحبّ. كما أن الشخصيات في هذه الرواية أخّاذة، والعصر الذي تجري فيه الأحداث فاتنٌ.

لا أعرف إلى أيّ مصيرٍ يسير عالمنا، هذا الذي يحيّرني

■ ماذا تقرأين الآن؟
أقرأ الكثير من أدب أميركا الجنوبية: تشيلي، كوبا، بيرو، إلخ. أعتقد أنه الأدب الأكثر ابتكاراً خلال العقود الأخيرة. الأجواء التي نعيشها في هذه الروايات جديدةٌ وشديدة الأصالة. ولا يقتصر هذا الأدب على "الواقعية السحرية" التي عُرف بها غابرييل غارسيا ماركيز. فالروايات الحالية غالباً ما تأخذ شكل سردٍ ذي حبكة بوليسية، لكنّ هذه الحبكة ليست، في الواقع، إلّا إطاراً: ذلك أن هذه الروايات تتجاوز السرد البوليسي لتُقدّم، قبل كلّ شيء، نقداً اجتماعياً لا يرحم، ووصفاً جذرياً للأحوال التي يعرفها كلّ واحدٍ من هذه البلدان.

■ ماذا تسمعين الآن؟ وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشارككِ سماعها؟
لا أستمع إلى كثير من الموسيقى هذه الأيام، لكنني طالما استمعت إليها في حياتي. الأعمال التي لم أكفّ يوماً عن حبّها تنتمي إلى الموسيقى الكلاسيكية: موتسارت، الموسيقيين الروس، بيتهوفن، وبعض الموسيقيين الإسبان... من التجارب الموسيقية الجميلة ــ التي تعود إلى سنواتٍ مضت ــ محمد عبد الوهاب، الذي ما زلت أحبّ أعماله إلى حدّ بعيد. تُعجبني فيه حداثته التي دفعته إلى البحث في الموسيقى الغربية ــ كالموسيقى الكلاسيكية، أو كموسيقى التانغو، الأكثر حداثةً ــ عن إلهامٍ ما، عن شيءٍ مختلف، وهو الأمر الذي أفضى إلى إبداع شيءٍ شديد الخصوصية، يمكنني وصفه بأنه يقع في منتصف الطريق. موسيقى عبد الوهاب باتت من الكلاسيكيات في أيامنا هذه!


بطاقة
وُلدت جوسلين اللَّعبي عام 1943 في مدينة ليون الفرنسية. انتقلت عائلتها للعيش في المغرب عام 1950. درست في مكناس خلال المرحلتين الابتدائية والثانوية، وأتمّت دراستها الجامعية في الرباط. متزوّجة من الشاعر عبد اللطيف اللعبي منذ عام 1964. عادت عام 1985 للعيش في فرنسا. عملت محرّرةً وأستاذةَ لغة فرنسية ومدقّقةً في الصحافة والنشر. نشرت، في المغرب وفرنسا، عدداً من القصص الموجّهة للأطفال والمستلهَمة من التراث المغربي ("رحلتْ حكايتي مع النهر" / منشورات المنار، 2017، وأعيد طبعه عام 2018). لها نصٌّ سردي بعنوان "خمرة الصبّار" (منشورات لا ديفيرانس، 2005، وأعيد طبعه عام 2015 وجرى تحويله إلى فيلم سينمائي)، ورواية "المهرطقون" (2013). كما شاركت في ترجمة أعمال من العربية إلى الفرنسية، من بينها قصص لغسّان كنفاني ورواية لجبرا إبراهيم جبرا.

المساهمون