يُجمع الجزائريّون، الذين سبق أن حضروا معرضاً أو مَعارضَ كتاب خارج بلادهم، على أنَّ الحضور الرسمي الجزائري فيها لا يعكس غنى وتنوُّع الثقافة الوطنية، ولا يُقدِّم صورةً صادقة عن حركة النشر في البلاد، التي، وإنْ لم تكُن في أفضل حالاتها، فإنّها موجودةٌ على الأقلّ، على عكس الانطباع الذي يتركه جناحُ وزارة الثقافة الخاوي في الغالب إلّا مِن بعض الإصدارات القديمة أو قليلة القيمة، ومِن بعض الموظّفين الذين يُصبحون، بفعل قرارٍ إداري، ممثّلين لثقافة بلادهم في الخارج.
في "معرض الدوحة الدولي للكتاب" الذي افتُتحت دورتُه الواحدة والثلاثون الخميس الماضي، لم يختلف الأمر كثيراً؛ إذ أظهرَت صُوَر وفيديوهاتٌ جرى تداوُلها على مواقع التواصُل الاجتماعي جناحَ وزارة الثقافة الجزائرية فارغاً تماماً، وهو ما أثار بعض الانتقادات الموجَّهة إلى الوزارة التي فضّلت، هذه المرّة، الغياب التام، بعد أنْ كانت تكتفي، في المرّات السابقة، بالحضور الشكلي في معارض الكتاب والتظاهُرات الثقافية الأجنبية بشكل عام.
ربّما لم يكُن أحدٌ لينتقد غياب وزارة الثقافة عن "معرض الدوحة"، أو أيّ معرض كتاب في أيّ بلدٍ آخر، لو لم تُظهِر الصُّوَر جناحها الفارغَ، والذي يُفهَم مِن وجوده حدوث اتّفاقٍ بينها وبين المنظّمين على المشاركة في الدورة الواحدة والثلاثين (لم يكُن المنظّمون ليُخصّصوا جناحاً لعارضٍ غير مشارك)، قبل أنْ تغيب أو تتأخّر عن الحضور لسبب ما، مع العلم أنَّ الوزارة لم تُقدّم، إلى الآن، تفسيراً، ليس لغيابها، بل لبقاء جناحها خاوياً.
لِمَ يبقى جناح الجزائر من أفقر الأجنحة في معارض الكتب؟
بالتأكيد، كان الغيابُ بالمطلَق عن معرضٍ للكتاب، أيّا كان البلدُ الذي يستضيفه، ليكون أفضل مِن الحضور بجناحٍ يضمُّ رفوفاً فارغة وكراسيَ لا يجلس عليها أحد. وهي صورةٌ تناقضُ تماماً الخطاب الرسميّ الذي لا ينفكُّ يؤكّد اهتمام الدولة بالثقافة من جهة، وحرصها على "صورة البلاد في الخارج" مِن جهة أُخرى. قبل يومٍ واحد من انطلاق "معرض الدوحة"، كانت وزيرة الثقافة، وفاء بن شعلال، تقول من ولاية تمنراست، جنوب البلاد، إنّ "رئيس الجمهورية وسّم الثقافة بكل رعايته ورسم لها معالم للنهوض بها".
ما يُقال عن "الحضور" الرسمي الجزائري في "معرض الدوحة" ينسحب على غيره من المعارض والتظاهُرات الثقافية؛ إذْ تكتفي الوزارةُ ومؤسّساتُها في المهرجانات السينمائية الدولية، مثلاً، بأجنحةٍ شبه فارغةٍ وموظّفين إداريّين ربّما لا ينظرون إلى الأمر سوى على أنّه فسحةٌ سياحية. يحدثُ كلُّ ذلك بينما توجد مؤسّسةٌ؛ هي "الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي" التي تأسّست عام 2005، وتحوّلت إلى مؤسّسة عام 2008، هدفها نشر الثقافة الجزائرية حول العالم.
في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، يُعلّق الشاعر خالد بن صالح على الحادثة قائلاً: "بحُكم عملي في مجال النشر وتجربتي في معارض الكتاب الدولية في العالم العربي، أوَّل ما يخطر في بالي عند مشاهدة صورة جناح الجزائر بأرففه الفارغة في 'معرض الدوحة'، هو سؤال بديهيّ: ألم تحدث مراسلات بين إدارة المعرض ووزارة الثقافة لترتيب الأمور مسبقاً؟ لأنّ جناحاً فارغاً في معرضٍ للكتاب ليس أمراً بسيطاً، هو بالضرورةِ جناحٌ مدفوعُ التكاليف ولم يحضر أصحابه، أو ربَّما تأخّروا في تجهيزهِ وترتيبه في موعد انطلاق المعرض. وهنا تحضرني حادثةُ بقاء جناح الجزائر في 'معرض الشارقة الدولي للكتاب' سنة 2017 فارغاً في الأيام الأولى من المعرض".
ويُضيف متسائلاً: "لماذا يحدث ذلك؟ والأكثر سوءاً: لماذا يتكرَّر؟ وبهذا الشكل البائس؟ والعجيب الذي يصعب تصنيفه أنّ جناح الجزائر، في غالبيةِ معارض الكتاب، هو من أفقر الأجنحة على الإطلاق، ونادراً ما يشرف عليه جزائريّون مباشرة، فحين تقصده، تجد عاملاً من البلد المنظّم لا يعرف شيئاً عن الثقافة والأدب الجزائريَّين، ولا يستطيع تقديمَ كتابٍ واحدٍ للزوّار بالشرح في محاولة لحثّهم على اقتنائه، كما هي الأعراف، فأين يذهب المشرفون على الجناح؟ وما محلّهم من التظاهرة التي هي بالضرورة تظاهرةٌ ثقافية تتنافس فيها دور النشر الحكومية والخاصّة لتقديم نتاج بلدانها في شتّى مجالات الكتابة؟ الفيديو الذي شاهدتهُ مؤلمٌ فعلاً، لكنّه ليس بالغريب على بلدٍ يضع الثقافة بكلّ مكوّناتها في الدرْجِ الأسفل من الاهتمام".
بعد يومين من نشره فيديو يُظهر الجناح الفارغ، نشر الصحافيُّ الجزائري المقيم في قطر، عماد الدين بوجناح، في حسابه على "فيسبوك"، صورةً أُخرى تُظهر رفوفه وقد وُضعت عليها بعض الكتب، معلّقاً: "جناح وزارة الثقافة الجزائرية حاضر على استحياء"، قبل أن يعود ليكتب: "هذه الكتب في جناح وزارة الثقافة جرى جمعُها من قِبل السفارة الجزائرية ودار نشر جزائرية حاضرة في المعرض لتغطية غياب الوزارة".