وداعاً زكريا

03 اغسطس 2023
زكريا محمد (تصوير: أيمن النوباني)
+ الخط -

وداعاً يا زكريا... أيها الشاعر الرعوي، ولا أب له. يا نسيج وحدِه ووحدتِه. يوماً ما، حين أُصبتَ بسرطان القولون، كتبتُ مقالاً عنك: عن قيمتك الفارهة، في شعرنا الفلسطيني والعربي، فكتبت لي رسالتك الوحيدة، على الإيميل، تبشّرني أنك نجوت، فتمنّيت لك العمر كلّه والمزيد من إبداع متوهج، نادر في مدوّنة العرب الشعرية.

قبلها، عام 2009، كنتُ في زيارة للقدس، مرافقاً لأخي المريض بنفس مرضك، وأعطانا الاحتلال تصريحاً ليوم واحد، كي نتنقل في الضفّة المحتلّة. كلّمتُ زياد خداش، وقال لي: من تودّ رؤيته من شعراء وكتّاب رام الله؟ قلتُ: يكفي زكريا فقط. وهكذا كان. 

إنه اللقاء الشخصي اليتيم معك. ما زلت أذكره إلى اليوم: شاعر شديد الهدوء والتواضع أدار وجهه لنمط الكتابة العربية، بشقّيها النثري والشعري، واجترح طريقه الخاص: طريق الجلجلة في المكتوب.

شاعر وله الموقف، في وقته، جريئاً. ولكم آلمني أن أعرف، بعد وقوع الحدث بسنوات، أنّه اعتُقل في رام الله، بسبب مواقفه.

إنه الزمن الفلسطيني المكسور، لا يليق به إلّا موت الشعراء النبيلين، وهُم يعرفون أكثر من سواهم أنه زمن النهايات لكل حلم، ومع ذلك ثمّة جذوة فيهم ما تزال تقاوم، حتى يدور الأفق، ويحطّ الجسدُ الرحال.

وداعاً زكريا.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

 
المساهمون