لطالما أشار النقّاد إلى تلك القوة في التعبير والحركة التي تعكسها أعمال هنري مور، في إطار محاولاته الحثيثة لشحن الأشكال المجرّدة بالمعنى والشعور بالخوف والشغف والأمل، والأبرز من ذلك كلّه إحساس الإنسان بالطبيعة من حوله.
وكان الجسد الإنساني مصدر قلق الفنان البريطاني الأميركي (1898 – 1986) تعبيراً عن لحظة صعوده وسقوطه أيضاً؛ بالمعنيين الحرفي والمجازي، وكأنها في جميع تشكّلاتها المتغيرة والدائمة تعبّر عن اندماج العوامل الخارجية المحيطة بداخله.
هذه العلاقة تشكّل محور معرض "الحيوية: المناظر الطبيعية البشرية لهنري مور" الذي افتُتح في الخامس من الشهر الجاري في استوديوهات وحدائق المؤسسة التي تحمل اسم الفنان بلندن، ويتواصل حتى التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
المعرض الذي يضمّ أكثر من عشرين منحوتة برونزية، تُحيل إلى منظور مور لما يمكن تسميته "قوة الحياة"، والتي استمدّها من مناظر طبيعة وبشرية واستخلص منها شخصياته التي تحاكي موضوعات رئيسة مثل: العلاقة بين الأم وطفلها حيث برزت في أعماله منذ الخمسينيات، والشخص المتكئ الذي قدّمه في منحوتات مختلفة، والعلاقات بين الأشكال من الخارج ومن الداخل.
ويلفت بيان المنظّمين إلى أنه على الرغم من أنّ أشكاله تبدو غالباً مجرّدة، إلّا أنه في الأساس كان فناناً تصويرياً أحاطَ نفسه بموادّ من الطبيعة مثل العِظام والحجارة والقذائف والأخشاب التي استقرّت في مرسمه، وحوّل تلك الأشياء إلى أشكال من خلال إضافة الطين والبلاستيك والجص.
بعد مرور مئة وخمس وعشرين سنة على ميلاده، لا تزال خصوصية مور حاضرة حيث قام بتقسيم الشكل إلى أجزاء متعددة، وثقب منحوتاته لإحداث اختراقات تعبّر عن فكرة امتداد الزمن وخلود الإنسان، كما جعل المنظر الطبيعي جزءاً من التمثال والعكس صحيح كذلك.
ضمن هذه الرؤية، ربط الشكل الأنثوي بالتلال المتموّجة كما تظهر في أعمال بدأها عام 1959، وقام بتقسيم الجسد إلى كُتَل ضخمة منفصلة تُشبه التكوينات الصخرية، إلى جانب ذلك التناغم بين الأسطح الملساء والجوانب الحادّة للمنحوتة نفسها.
يقول مور "الطبيعة كلّها هي عرض لا نهاية له للشكل والصورة. تفاجئني دائماً محاولات الفنانين الهروب منها". إنها المشهد الذي نشأ عليه في طفولته ببلدة كاسلفورد غرب مقاطعة يوركشاير الإنكليزية، مروراً بتحوّلات ذلك المشهد بسبب الحرب العالمية الثانية ودفاعه عن الفن في وجه الحرب والفاشية، وصولاً لتأثّره بالنحت في حضارات الرافدين ومصر القديمة.