هل يستحق "فتح الأندلس" كل هذا الجدل؟

12 ابريل 2022
لقطة من المسلسل
+ الخط -

في أعوام مضت، كانت التلفزيونات العربية تطرح في كلّ رمضان عدداً من الأعمال التاريخية التي تأتي دفعة واحدة، ما يؤثّر على مشاهدتها والتركيز على أحدها. تغيّر الأمر في السنوات الأخيرة مع تقلّص العناية بالمادّة التاريخية لحساب الأعمال ذات الصبغة السياسية المباشرة أو الاجتماعية الفجّة.

قلّة الأعمال التاريخية قد تكون سبباً في وضع القليل الذي يقدَّم تحت مجهر التمحيص والفحص على أساس ما يودّ طرف أو آخر أن يجده في عمل ما، كحال مسلسل "فتح الأندلس" الذي تُبثّ حلقاته منذ بداية رمضان الجاري، وما يُحدثه من جدل، في المغرب خصوصاً، حتى أنّ النقاش حوله وصل إلى جلسات البرلمان، أي أنه انتقل من دائرة الدراما الفنّية إلى فضاء السياسة.

من منظور فنّي بحت، تبدو هذه السجالات تافهة، فهي تؤشّر إلى خلل في تلقّي الأعمال الفنّية المعتمدة على التاريخ، وما هي إلّا قراءة مخرج أو كاتب لمرحلة ما لا يمكن اعتبارها مصدراً تاريخياً موثوقاً. لكن، من منظورات أُخرى، تمثّل هذه السجالات مرايا لما في المناخ العام، السياسي والاجتماعي والثقافي، من أفكار، وقد تؤدّي - بسبب الاهتمام الإعلامي بها - إلى تكريس فكرة ما أو صورة نمطية.

ولعلّ الجدل الذي يدور في المغرب اليوم يكرّس الشروخات العربية في قراءة التاريخ، حيث تحضر تهمة التقليل من دور المغاربة في التاريخ الإسلامي لصالح المشارقة. ومن الغريب أن يجري الاستناد، ليس إلى المقولات التاريخية التي يطرحها المسلسل فقط، بل حتى إلى توزيع الأدوار.

التاريخ العربي الإسلامي وحدة لا يمكن تقسيمها على أساس جغرافي

الصوت الأعلى في انتقاد مسلسل "فتح الأندلس" في المغرب كان لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (ضمن الكتلة المعارضة في البرلمان المغربي)، والذي دعا إلى مساءلة من كان وراء اشتراء التلفزة الرسمية حقوق بثّ مسلسل يقلّل من أهمية المغاربة في التاريخ الإسلامي، بالمال العمومي.

ويعترض الحزب أيضاً على أن المسلسل قد "أُنتج خارج المغرب من دون مشاركة المغاربة في التأليف ومن دون استشارة المؤرّخين لتدقيق المعطيات"، وجرت الإشارة إلى أنه "مليء بالمغالطات المعرفية، ويحمل في كثير من حلقاته تزويراً لكل ما تتّفق عليه المصادر التاريخية الموثوقة".

قد يكون في هذه الانتقادات بعض الصحة، ولكن هل القراءة التاريخية التي يقدّمها المسلسل ستغسل عقول المغاربة أو غيرهم من المتفرّجين؟ كما أن مسألة مشاركة المغاربة في عمل تدور أحداثه في المغرب، أو تصوير هذا الأخير في بلدان أُخرى، أمر لا يمكن أن يستقيم، وها أنّ أفلاماً أميركية وأوروبية تدور حول أحداث تاريخية حدثت في منطقتنا وشاهدها الناس باعتبارها منتجات فنية لا غير. وإذا مضينا في مثل هذا المنطق الاحتكاري للفصول التاريخية لن يكون من المسموح للمغرب أن ينتج مسلسلاً مقتبساً من "ألف ليلة وليلة"، كما حدث في 2014.

هكذا، وفي الوقت الذي يلقي فيه المنتقدون بتهم تتعلّق بإسقاط خلفيات على التاريخ، يُسقطون هم أيضاً خلفيات سياسية على المسلسل فيقرأونه من الزاوية التي تحلو لهم وتحرج خصومهم. نحن - في سياق جدل مسلسل "فتح الأندلس - أمام قدرة العقل السياسي على فبركة فخاخ للخصوم، ولا نقف أمام قدرته على توفير رؤى جديدة، كأن يدعم تمويل إنتاج مسلسلات وأفلام تاريخية تقدّم رؤية فنية للتاريخ الإسلامي من زاوية المغرب، ففي النهاية يمثّل التاريخ العربي الإسلامي وحدة متكاملة من حقّ جميع المنتمين إليه أن يقدّموا قراءاتهم حوله، وأن يصوغوها من خلال العناصر الإبداعية التي يرونها الأنسب لذلك.

المساهمون