رحل أول من أمس الجمعة الشاعر الليبي نصر الدين القاضي (1952-2021)، في مدينة طرابلس، بعد صراع مع المرض، تاركاً مجموعة شعرية واحدة بعنوان "من سيرة الصباح والمساء"، رغم أنه بدأ الكتابة في السبعينيات وانخرط في المشهد الثقافي الليبي من خلال تمثيله في عدد من المسرحيات، إلى جانب العزف على آلة العود.
وُلد الراحل في حيّ سوق الجمعة شرق العاصمة الليبية، وحاز دبلوم المهن المالية عام 1974، حيث عمل منذ تخرّجه في الشركة العامة للكهرباء، وواصل في الوقت نفسه المشاركة في العديد من الفعاليات الثقافية داخل ليبيا وخارجها، ونشر أيضاً قصائده متفرقة في العديد من المجلات والصحف الليبية والعربية.
"إلى روح صديقي الشاعر نصر الدين القاضي، الذي رحل اليوم"، هكذا أهدى الشاعر عاشور الطويبي نصاّ يقول فيه: "عند الفجر، يفرشُ نصري صمته، علب الحلوى ومجلات قديمة. الناس، مسالك ومشارب ومخاوف" يقول وهو يتذكّر وجه حبيبته… على جذع زيتونة، يلمح اسم طرابلسَ، يلمح غمازتي خدّيها، ومنديلها الوردي. إلى متى تحملين أحزان القلب؟ تكمل السبابة قراءة التشهّد. أنتِ المطر الذي صار غريبًا بلا وجه ولا لسان. أنتِ الأسوار. أمّا أنا يكفيني أن أكون كورنيش بحرك. يلمح أصابع أبيه تنقرها الطيور.. "الحياة صعود من أعلى إلى أسفل“.. يهمس الدرويش.. تتدلى من رقبته صحراء عظيمة".
واظب القاضي على استضافة الكتّاب والمثقفين في بيته بجلسات جمعت بين الأدب والشعر والسياسة وأحاديث الأصدقاء، واجتمع فيها على مدار سنوات طويلة العديد من الكتّاب، منهم محمد عفيفي ويحيي جابر وأحمد الفقيه الصالح وإدريس الطيب وآخرون.
في قصيدة "خمر النهار"، يدوّن القاضي:
سأكتفي الليلة بصمتي
لكنني
أحمل يا أصدقائي
ضجيجاً لا يطاق
إلى أين
تفضي هذه الطرق الممنوعة والمسدودة
وكل النوافذ
تشرع للريح
ألف بابٍ وكتاب
ليس ثمة ما أكتب
في كراسة الإملاء
بدون أخطاء
في النحو
سواء في مواقع الرفع
أو في حالة الانتحاب
كم تبدو شمس النهار جميلة
لكنها تحرق القلب
حين يأتي الليل
مثل الريح
ويقلب الكراسي
رأساً على عقب
القمر المعلق
بكامل استدارته
في سماء البحر
والليل
ما عاد في وسعه
أن يمضي كئيباً هكذا
وها أنت وحيداً
تحتسي ما تبقى
من خمرة النهار