يمتلئ تاريخ الثقافة العربية بالكتب التي تناولت الأوبئة منذ العصر الوسيط إلى يومنا. ففي السرديات القديمة نجد رسالة الكندي "الأبخرة المصلحة للجوّ من الوباء"، وكِتاب "نعْت الأسباب المولِّدة للوباء في مصر" لابن الجزّار، وكِتاب "الطواعين" لابن أبي الدنيا. أمّا المخطوطات، فمنها "حلّ الحُبا لارتفاع الوبا" لولي الدّين الملوي، و"الرسالة الوبائيّة" للرازي.
أما في الأدب الحديث، فليس مستغرباً أن نجد أن القصيدة التي غيرت مسار الشعر العربي وقدمت شكلاً جديداً، هو شعر التفعيلة، وتمردت على العمود، هي قصيدة كتبتها نازك الملائكة متأثرة بأنباء وباء الكوليرا في مصر التي كانت تستمع إليها عبر الراديو، فالوباء كان مخيفاً ومؤلماً ويستلزم التعبير عنه وسيلة جديدة وجدتها الملائكة في أول قصيدة تفعلية عربية.
انطلق أمس أول أيام الندوة العلمية "إبداع العربية في زمن الوباء" التي ينظمها "مركز المخطوطات" في مكتبة الإسكندرية، وتتواصل لثلاثة أيام، بمشاركة عدد من اللغويين والمتخصصين في الأدب والتاريخ، والتي تقام بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وتُبَث افتراضياً.
أعلنت المكتبة أن الجلسات ستعيد قراءة تاريخ اللغة العربية وارتباطه بأزمان الأوبئة التي مرت بها الحضارات الإسلامية في عصور مختلفة. وتتناول كيف استطاع المؤلفون المسلمون أن يؤلفوا، بل ويبدعوا في التأليف اللغوي والتأريخي في مثل تلك الظروف الصعبة.
تقسم الندوة جلساتها إلى محاور؛ في الجلسات الأولى أمس، تحدث محمود سليمان ياقوت، وإبراهيم سند، وأسامة أحمد، وتناولوا ألفاظ الأوبئة في المعجم العربي، وكيف استطاع هذا المعجم أن يستوفي الألفاظ والتعبيرات عن الأوبئة قديماً وحديثاً.
اليوم الأخير يتناول أدبيات التأريخ للشدائد والأوبئة في الثقافة العربية
أما اليوم، فعُقدت جلستان عن الإبداع المكتوب بالعربية سرداً وشعراً، وكيف عبّر الأدب العربي عن الشدائد والطواعين التي مرّت بها البلاد العربية في عصور مختلفة تمتد من العصر الوسيط إلى الحديث تحدث فيها الأكاديمي حافظ المغربي الذي تناول تحديداً تجربة الأوبئة في الشعر العربي الحديث، إلى جانب مشاركة للباحث الأكاديمي أحمد فضل شملول.
أما اليوم الأخير، فيتناول أدبيات التأريخ للشدائد والأوبئة في الثقافة العربية، ويتحدث فيها الأكاديمي أيمن فؤاد سيد، رئيس الجمعية المصرية التاريخية.