بعد سنوات مِن التأجيل الذي ظلّ يتكرّر عاماً بعد عام، افتتحت وزارة الثقافة المصرية، في يوليو/ تمّوز 2019، "متحفَ نجيب محفوظ" في أحد المباني الأثرية بالقاهرة التاريخية؛ المكان الذي وُلد فيه الروائيُّ المصري (1911 - 2006) واستلهم منه أحداث رواياته وشخصياتها.
أُريد للمتحف، الذي يقع داخل "تكيّة محمد أبو الذهب" المُشيَّدة عام 1774، أن يكون نافذةً على العوالم الأدبية والذاتية لصاحب "نوبل للآداب" (1988)؛ من خلال عرض صُوَر له ونُسخ أصلية مِن كتاباته بخطّ يده، إضافةً إلى متعلّقاته الشخصية، موزّعةً ضمن غُرف تُشكّل كلٌّ منها محطّةً أو جانباً من سيرته... لكنّ حضوره ودوره، أي المتحف، ظلّا محتشمَين، على الأقلّ مقارنةً بالجدالات التي ظلّت تُثار حوله منذ الإعلان عنه لأوّل مرّة بُعيد رحيل محفوظ عام 2006.
في الثلاثين من آب/ أغسطس الجاري، تمرُّ الذكرى السادسة عشرة على رحيل صاحب "زقاق المدق" (1947)؛ وهي مناسبَةٌ سيكونُ للمتحف - الذي أعلنت وزيرة الثقافة، نيفين الكيلاني، عن إتاحة الدخول إليه مجّاناً طيلة أسبوع، ابتداءً من أمس السبت - نصيبُ الأسد في إحيائها، مِن خلال مجموعةٍ من الفعاليات الثقافية والفنّية التي يُقيمها "صندوق التنمية الثقافية" لاستعادة تجرُبة الروائيّ المصري.
حضور محتشم للمتحف مقارنةً بما أثاره من جدل قبل افتتاحه
من بين تلك الفعاليات معرضٌ كاريكاتيري يحتضنه المتحف ابتداءً من الثلاثاء المقبل، ويضمّ قرابة أربعين رسمةً استلهم فيها فنّانون من مصر والمغرب والسعودية والكويت وجنوب أفريقيا وكينيا وإسبانيا وروسيا والصين واليابان والبرازيل وكوبا صاحبَ "أولاد حارتنا" (1959).
ويُخصّص "منتدى الثقافة والإبداع"، في "مركز الإبداع الفنّي" بـ"ساحة الأوبرا"، ندوتَه الشهرية، عند السادسة من مساء اليوم الأحد، لمناقشة كتاب "أيام مع نجيب محفوظ - حكاياتٌ... حوارات" للصحافي محمد الشاذلي، والذي صدر حديثاً عن "الهيئة المصرية العامّة للكتاب".
في هذا الكتاب، يستند الشاذلي إلى صداقة جمعته بمحفوظ طيلة خمسة وعشرين عاماً، لينقل بعض آرائه الشخصية في المشهد الأدبي المصري وفي القضايا العامّة، والتي سبق أن عبّر عنها في حواراتٍ أجراها معه ونشرها في مجلّات وصحف مصرية، ويسرد بعض التفاصيل المتعلّقة به؛ مثل عدم كتابته أيّ نصّ على طاولات المقاهي التي يرتادها، على خلاف كتّاب مصريّين آخرين، مُبرّراً ذلك بكونه يُفضّل الكتابة منعزلاً وفي وقتٍ مُحدَّد.
ومِن القصص التي يرويها الكتاب ردّةُ فعل محفوظ حين علم، مِن خلال أفراد أُسرته، أنّ "قلادة النيل"، التي تسلّمها - بُعيد فوزه بجائزة نوبل - مِن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، مزيَّفةٌ (لم تكُن من الذهب الخالص بل من الفضّة المطليّة بالذهب)؛ حيث فضّل تجاهُل الأمر وطلب مِن أسرته عدم إثارة الموضوع مع أيّ كان.
كما يتطرّق العملُ إلى كواليس اختيار محفوظ الكاتبَ محمّد سلماوي للسفر إلى استوكهولم ليتسلّم "جائزة نوبل" نيابةً عنه؛ حيث كان الشاذلي ضمن الوفد المصري الذي سافر إلى السويد لحضور حفل تسليم الجائزة.
تقتصر الفعاليات الاستعادية على القاهرة والإسكندرية
وفي قاعة "سينما الهناجر" بـ"ساحة الأوبرا" أيضاً، تُعرَض، بالتعاون مع "المركز القومي للسينما"، في السادسة من مساء الأربعاء المقبل، مجموعةٌ من الأفلام التي اقتُبست للسينما من روايات نجيب محفوظ، والتي كتب لها السيناريو بنفسه، على أن تنتقل العروض إلى "مركز الإبداع" في الإسكندرية في اليوم التالي.
من جهته، يُنظّم "مركز الدراسات الثقافية"، بالتعاون مع "أتيلييه ضي" في القاهرة، الخميس المقبل، ندوةً بعنوان "حوارات نقدية"، تتضمّن مجموعةً من المداخلات التي يُقدّمها أكاديميون ونقّاد؛ من بينها: "أزمة النقد وانفتاح النصّ: نجيب محفوظ والفنون السبعة" لأمل حسن، و"إشكاليات الهوية في الرواية التاريخية" لحسام الضمراني، و"السرد بين الرواية والسيناريو" لخالد عبد الغني، و"الشخصية الدينية في روايات نجيب محفوظ" لعطيات أبو العينين.
ومن الملاحظ أنّ كل الفعاليات الاستعادية تقتصر على القاهرة والإسكندرية، في حين تغيب عن المُدن الطرفية، ولو بأنشطة تذكّر بأنّ الروائي الراحل كتب عن بيئات مصرية مختلفة، وأنّ محلّيته التي دفعته صوب العالمية، لم تكن ذات بُعدٍ أو لونٍ واحد.
في سياق ذي صلة، كشفت أم كلثوم، ابنةُ الروائيّ الراحل، عن اقتراب صدور كتابٍ لها بعنوان "أبي نجيب محفوظ"، وهو عملٌ حرّرته الصحافية منّة الله الأبيض، ويضمّ مذكّرات محفوظ التي ستُنشر لأوّل مرّة، وبخطّ يده. وتكشف المذكّرات، التي قالت ابنةُ الروائيّ إنّها المذكّرات الوحيدة التي كتبها أبوها، عن "جوانب غير معروفة من شخصية نجيب محفوظ"، وفق تعبيرها، مُضيفةً أنّها ستُنشَر بخطّ يده.
ليست هذه المرّة الأُولى التي يُعلَن فيها عن العثور على نصوصٍ لمحفوظ بخطّه لم تُنشَر من قبل، ففي 2018، أعلن الكاتب والصحافي محمد شعير عن عثوره في أرشيف الروائيّ الراحل على ثماني عشرة قصّة لم تُنشر من قبل في كتاب؛ حيث نُشر معظمها في مجلّة "نصف الدنيا"، بينما لم تُنشر اثنتان منها في أيّ مكان آخر. وبالعودة إلى "أبي نجيب محفوظ"، تستعيد الكاتبة، في هذا العمل ذكرياتها مع والدها، مُضيئةً على علاقته بأسرته، ودور زوجته (عطيّة الله) في حياته، وهو دورٌ تقول إنّ "كثيرين حاولوا تهمشيه قصداً أو عن غير قصد".
وقالت أم كلثوم محفوظ، في تصريحات صحافية، إنَّ الكتاب محاولةٌ لـ"رفع الظُّلم عن نجيب محفوظ وأسرته التي طاولها التشويه من بعض المقرّبين، وممّن ادّعوا قربهم من والدي، وظنّوا أنهم يعرفونه أكثر ممّا تعرفه أُسرته". يُضاف العملُ إلى العدد الكبير من الكتب التي تناولت حياة محفوظ وأدبه، ربّما آخرها الكتاب الصادر قبل أشهر قليلة عن "دار غراب للنشر والتوزيع"، بعنوان "نجيب محفوظ شرقاً وغرباً"؛ هو من تحرير مصطفى عبد الله وشريف مليكة، وتحرير ومراجعة أحمد كمال زكي.
يضمّ الكتاب إحدى وعشرين دراسة وشهادة حول حياة محفوظ وأدبه، بأقلام كتّاب عرب وأجانب؛ من بينهم محمد آيت ميهوب من تونس، وعبد القادر فيدوح من الجزائر، وحسين حمودة من مصر، إضافة إلى الناقد البريطاني روجر آلان، والمترجم الأميركي ريموند ستوك الذي سبق أن ترجم أعمالاً له إلى اللغة الإنكليزية.
وفي هذه الأيام، يصدر، عن "دار ريشة"، كتاب بعنوان "نجيب محفوظ والسحّار: أسرار روائية"، يتناول فيه مؤلّفه، سامح الجبّاس، العلاقةَ التي جمعت محفوظ بالكاتب والناشر عبد الحميد جودة السحّار (1913 - 1974)، صاحب "مكتبة مصر" التي نشرت أعمال محفوظ منذ الأربعينيات وحتى السنوات الأُولى من الألفية الثالثة.