نادين باخص.. رحلات صغيرة في "ألوان الذاكرة"

16 مايو 2022
من رسومات الفنانة ضحى الخطيب للسلسلة
+ الخط -

"أدب الأطفال ليس بسيطاً، ويستغرق بين الكتابة والرسم والإخراج وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً في سبيل إنجاز قصّة واحدة منه"، بهذه الكلمات تفتتح الكاتبة السورية نادين باخص (1985) حديثها إلى "العربي الجديد" حول سلسلتها القصصيّة الموجّهة للأطفال، والتي حملت عنوان "ألوان الذاكرة"، الصادرة مؤخّراً عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" في بيروت.

ليست هذه السلسة التجربةَ الأولى لباخُص في الكتابة للطفل؛ إذ سبق لها أن أصدرت "لستُ بيضة مسلوقة" و"عقلي يقول لي"، بالإضافة إلى مجموعات شعرية وكتابات أدبية مختلفة.

تضمّ السلسلة، التي وقّعت رسوماتها الداخلية الفنّانةُ التشكيلية ضحى الخطيب، أربعة كتب هي؛ "في رأسي نغم"، و"طاحونة جدّي"، و"ناي جبران"، و"أقرب إلى السماء". تنظر المؤلّفة إلى كلّ من هذه الكتب بجدّية وحرص، لكنّها في الوقت نفسه لا تشبّه علاقة الكاتب مع كتبه، أو الرحلة التي يخوضها حتّى يرى العمل النور، بعلاقة الإنسان بأبنائه، مضيفةً بأنّها تجد الكثير من النمطية في عبارة "كتبي أطفالي". تقول: "علاقتنا بأطفالنا تمتدّ طوال الحياة، وعلينا توجيههم ورعايتهم رغم الأخطاء التي قد يرتكبونها. أمّا الكتب فأمرٌ مختلف. نعم كلُّ كتاب ألّفته هو حالةٌ عِشتها ووددتُ أرشفتها، لكنّه بالتأكيد ليس طفلي، فالهفوات التي تُطالعنا في أعمالنا بعد نشرها لا يمكن تقبّلها أو مساواتها بأخطاء الأبناء".

لأغاني فيروز قيمة رفيعة تساهم بتكوين ذائقة الطفل الفنيّة

اشتغلَت المؤلّفة على تنويع مواضيعها، وقد استغرقت ثلاث سنوات لإتمام السلسلة. وهنا، تشير إلى أنّها لا ترى تناقضاً بين "أدب الأطفال" الذي يوصَف عادةً بأنّه سهل، وبين "عالم الأطفال" وما فيه من صعوبات. على العكس من ذلك، فأُولى خطوات التوجُّه إلى الأطفال هو التخلّص من السطحية التي تسِمُ كتابات كثيرة، وأحياناً يكون للطفل منها موقف نقدي، توضّح: "إنْ كان هناك تناقض، فهو يكمنُ بين وعي الطفل وحساسيته وعمق مشاعره من جهة، وبين ما تُقدّمه له بعض دُور النشر ويكون دون المستوى. وهذا ما لمستُه مباشرةً في علاقتي مع ابنتي؛ إذ كانت تصدمني بردود فعلها عندما أقرأ لها. باختصار، يعجّ الطفل بالمشاعر والأفكار التي يجب أن تُواكَب بمستوى لائق".

الكاتبة نادين باخص
الكاتبة نادين باخص

تبدو عناوين الكتب الأربعة لافتة، وكأنّ وراءها قصّة، فـ"طاحونة جدي" يُحيل إلى أغاني فيروز التراثية، بوصفها قيمة رفيعة تُسهم في تكوين ذائقة الطفل الفنّية في عصر الشاشات والحواسيب والتواصل السريع، بالإضافة إلى ذلك فيه استحضار للجدّ الذي ما زال يروي الحكايات رغم غيابه. والأمّ هنا ليست راوية فحسب، بل صلة وصل بين جيلين، تحاول نقل أثرٍ ما من خلال عالم مُصغّر تشغلهُ بالقصص. كذلك الأمر مع "ناي جبران"؛ حيث تستكشف شخصيّة أدبيّة بارزة هي الكاتب اللبناني جبران خليل جبران المعروف بسلاسة أدبِه وتنوّعه، وهذا ينمّي الإبداع الكتابي لدى الطفل في المستقبل.

التناقض يكمن بين سطحية ما يقدّم للطفل وعمق مشاعره

أمّا في "أقرب إلى السماء"، فتبني باخص تحدّياً من نوعٍ مختلف له صلة بالمكان، فالأطفال يتأثّرون بالأشكال والفضاءات المحيطة، وسرعان ما يعتادون عليها. ومعظم الناس اليوم يعيشون في مدن ذات مساحات ضيّقة، البيوت فيها لا يمكن أن تقارَن بالبيوت القديمة التي تترك بصمة أقوى على الذاكرة. فكيف إذا كان البيت موجوداً في الطابق الثلاثين ببرج شاهق، أيّ شكل سيأخذ تعامل الطفل مع الوجود من حوله؟

وفي كتابها "في رأسي نغم" تلامس نادين باخص الجانب النفسي في دنيا الأطفال، الذين تشغلهم دائماً الأسئلة والأفكار التي تبدو للكبار نوعاً من الفضولية أحياناً، أو لا إجابة لها، ولكنّ انعكاساتها الداخلية قد تُصيبهم بشيء من "أرق الإبداع" الذي قد يحولُ بينهم وبين النوم، ولا حيلة أمام الأهل هنا سوى ترديد مقولتهم "ناموا كي تكبروا" وهذه مقولة لا جدوى لها بطبيعة الحال.

المساهمون