ميلان كونديرا.. لماذا لم يُقرَأ صاحب "المزحة" في لغة ثيربانتس؟

13 يوليو 2023
ميلان كونديرا في حديقة بباريس عام 1984 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- رواية "كائن لا تُحتمل خفّته" لميلان كونديرا تناولت موضوعات مثل الفردانية والوجود في سياق الشيوعية السوفياتية، مما جعلها تعكس روح عصرها وتجذب اهتمام القراء والنقاد.
- على الرغم من نجاح كونديرا، إلا أن اهتمام القراء في إسبانيا بأعماله ظل محدودًا بسبب "لعنة المنفى"، حيث لم تحظ أعماله بنفس الشهرة كما في فرنسا، مع تجنب القارئ الإسباني للروايات الكبيرة والعميقة.
- تأثير الأعمال الأدبية يختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر ومن جيل إلى جيل، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الأدب في عصر تغير مفاهيم الأصالة والتقليد وظهور الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة الأدبية.

في ثمانينات القرن المنصرم، تحوّلت رواية "كائن لا تُحتمل خفّته" (1984)، للروائي التشيكي ميلان كونديرا (1929- 2023)، الكتاب المفضّل لقرّاء تلك الحقبة، إلى درجة أنّ الرواية صُنّفت من بين الكتب التي يجب قراءتها، إذا أراد المرء أن يكون متناغماً مع عصره آنذاك. وبالفعل، كانت الرواية تخاطب عصرها، لا سيّما وأنها تتّبع حياة حفنة من الشخصيات الضائعة في مستنقع أزمة الفردانية، ضمن واقع سياسي أوسع وأشمل - شيوعية الحقبة السوفياتية- التي أعطت الرواية ثقلاً إضافياً.

شحيحة هي المقالات - إن لم تكن نادرة- تلك التي تطرقت فيما بعد، إلى أعمال كونديرا في إسبانيا، على الرغم من أن القسم الأكبر من أعماله الروائية مترجم إلى لغة ثيربانتس، وفي أبرز دور النشر. وقد يبدو غريباً أكثر الهدوء الذي تعامل به الوسط الثقافي والصحافي الإسباني مع خبر رحيل الكاتب التشيكي عن عالمنا، أمس الثلاثاء، عن أربعة وتسعين عاماً، مقارنةً مع حجم المقالات والأخبار التي نُشرت عنه في الصحافة العربية. فباستثناء بعض المقالات التي صدرت، والتي لم تكن أكثر من مجرّد أخبار عادية تعلن نبأ رحيله وتَعرض محطّات من حياته، انعدمت المقالات التحليلية العميقة التي تتناول سيرة الكاتب وأهميته الروائية، باعتباره واحداً من أبرز روائي النصف الثاني من القرن العشرين، إضافة إلى كونه مرشّحاً دائماً لـ"جائزة نوبل للآداب".

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول الروائي والصحافي الإسباني خافيير سانتيسو: "قد تكون لعنة المنفى هي السبب في ذلك. إذ لم يحظ الكاتب التشيكي في إسبانيا بالشهرة نفسها التي حصل عليها في فرنسا، حيث اختار طريق المنفى منذ عام 1975، عندما طُرد من منصبه في الجامعة ومُنع من ممارسة نشاطه الفكري. عموماً هذا ليس غريباً في إسبانيا، فقد حصل الأمر نفسه مع كتّاب آخرين؛ مثل الفرنسي باسكال كويجنارد، والفرنسي الآخر بيير ميتشون، كلاهما لا يزالان على قيد الحياة، وعلى الرغم من أهميتهما، وعدد كتبهما المترجمة إلى الإسبانية، إلّا أنهما يكادان يكونان غير معروفين في إسبانيا. يمكن تفسير بذلك بأنّ القارئ الإسباني اليوم يهرب من الروايات الكبيرة والصعبة والعميقة، وهذا ما تميّز به الكاتب التشيكي".

يهرب القارئ الإسباني اليوم من الروايات الكبيرة والصعبة

أمّأ الروائي والصحافي الإسباني البارز، خوان كروز، فحدّثنا بدوره عن اللقاء الأوّل الذي جرى بين ميلان كونديرا وناشرته الإسبانية بياتريس دي كورا، مؤسِّسة دار نشر "توسكيتس" الإسبانية، التي نشرت أعمال الكاتب التشيكي، حيث يقول: "ذهبت بياتريس خصّيصاً إلى باريس، وقد بدا لها حلماً في عام 1984 أن تنشر بلغة ثيربانتس، أعمال الكاتب التشيكي". كان ميلان، كما وصفته لي بياتريس - يتابع كروز - واقفاً مع زوجته في المطبخ. كانت شخصيته جامدة، وفجأة سألها: ماذا قرأت من كتبي بالتحديد؟ أجابته بياتريس، بخجل، بأنها قرأت له بعض الصفحات من ترجمة رواية "المزحة". تركها ميلان وتوجّه إلى الصالون، وكان واثقاً حينها أنها ستكون ناشرته لا محالة. 

وبالفعل، حدث الاتفاق بين بياتريس وكونديرا، وترجمت دار نشر "توسكيتس" القسم الأكبر من أعمال الكاتب، كما يقول كروز، لكنها، وعلى خلاف ما توقّعته بياتريس، لم تحظ بالنجاح الذي كانت تتوقّعه. "عادة ما يحدث هذا الأمر مع الترجمة، لكن هذا لا يلغي أن يكون كونديرا واحداً من أهمّ روائي النصف الثاني من القرن العشرين"، يعلّق كروز. 

الشاعرة والروائية التشيلية، المقيمة في مدريد، روزا بيتي، قالت لـ"العربي الجديد: إنّها كانت من أوائل من قرأ رواية "كائن لا تُحتمل خفّته"، حين تُرجمت إلى الإسبانية، وقد "تعرّفت على عوالم كونديرا الأدبية من خلال تلك الرواية، التي كانت حديث التشيليين، لا سيما الجيل الذي أنتمي إليه، إلّا أنّ جيلي شعر بخيبة أمل كبيرة، بعد هذا العمل، إذ أنّنا انتظرنا من الكاتب روايات تعالج بالعمق نفسه موضوعات الحب والألم والوجود والزمن التي تناولها في هذه الرواية، ولكنّنا لم نعثر في رواياته اللاحقة على العمق نفسه". 

يطرح كلّ ذلك الكثير من الأسئلة: من يحدد روح العصر؟ من يحدد أهمية كاتب في بلد ما؟ لماذا يُقرأ كاتب في بلد ولا يُقرأ في بلد آخر؟ مهما كانت الأجوبة، لا بدَّ من القول إن الزمن الذي نعيشه هو زمن انهيار الروايات التاريخيّة العظيمة، انحطاط الشعر، واستبدال مفهوم الأصالة بمفهوم التقليد والمحاكاة. وها هو الآن الذكاء الاصطناعي يكتب المستقبل.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون