مهرجانات المسرح في الأردن: من يعيد الجمهور إلى الصالة؟

12 يوليو 2022
مسرحية "هاملت 3D" لعبد الصمد البصول، عُرضت في "مهرجان الأردن المسرحي" عام 2013
+ الخط -

في حفل تأبين المخرج المسرحي الأردني حسين نافع (1964 – 2022) الذي أقيم في "المركز الثقافي الملكي" في آذار/ مارس الماضي، اجتمع رفاق الراحل لاستعادة تجربته، لكن الفعالية تحوّلت إلى رثاء أحوال المسرح في الأردن، وتقديم كشف حساب يتضمّن فصولاً من تقصير المؤسسة الرسمية تجاهه.

استعارت "فرقة مسرح الرحّالة" في تلك الليلة لعبة مسرحية لإيصال رسائلها إلى وزارة الثقافة؛ راعية الحفل، والتذكير بأن الفن الرابع في البلاد يُختزل بكرنفالات موسمية معزولة عن الجماهير، بدلاً من تأسيس مسرح دائم (ريبرتوار) وفرقٍ وطنية تتنافس في ما بينها، طوال العام، من أجل انتخاب أفضل العروض التي تذهب إلى المهرجانات، سواء المحلية أو العربية، لتقييمها من قبل النقّاد وحصول تفاعل بين المسرحيين أنفسهم.

تسلّمت الوزارة مطالب المسرحيين على شكل "وصية" كتبها نافع، دعا خلالها إلى وقف سياسة الترضيات والتنفيعات المتبّعة، التي تفرض اختصار تكلفة الإنتاج وتقديم أعمال بعناصر مفقودة وضعف في التمثيل، وتقديمها لمرّة أو مرّتين، ونزع إمكانية تطوير المشهد المسرحي التي تحتاج إلى تواصل مستمر مع المتلقّي.

وحتى ينفضّ السامر، أطلقت الوعود بمراجعة الأخطاء المتراكمة وإصلاحها، لكن ذلك لم يحصل خلال الأشهر الأربعة الماضية ولا يتوقّع حصوله في المنظور القريب، حيث أعلنت وزارة الثقافة عن فتح باب التقديم للمشاركة في الموسم المسرحي 2022 وفق الشروط ذاتها، ولم يخطر ببال القائمين عليها تنظيم جلسة لمناقشة واقع يمتدّ من نحو ثلاثين عاماً.

أُطلقت وعود رسمية بمراجعة الأخطاء المتراكمة لكنها لم تنفّذ

انتفت الحاجة إلى المهرجانات الثلاثة التي تنظّمها الوزارة للمحترفين والشباب والطفل، بحسب دارسين لتاريخ المسرح الأردني، الذين يلفتون إلى أن إنشاءها عقب حرب الخليج عام 1991 كان الهدف منه دعم الدراما التلفزيونية التي أُغلقت معظم الأسواق العربية في وجهها، ما أعاد التفكير بأهمية الخشبة محرّكاً أساسياً للفنون الدرامية.

شارك في الدورات الأولى فنانون اكتسبوا خبراتهم بفعل الممارسة إلى جانب العديد من خريجي الجامعات العربية والأردنية الذين توافدوا تباعاً، ومنهم حاتم السيد ونبيل نجم ونادر عمران وخالد الطريفي وسوسن دروزة وحكيم حرب وحسين نافع وآخرون، بالإضافة إلى حضور عربي ساهم في تنوّع العروض المقدّمة من حيث المدارس والأساليب والتقنيات.

في عام 1994، أسّس المخرج نادر عمران (1955 – 2017) "أيام عمّان المسرحية"، التي شكّلت حينها حالة من الاحتجاج على أوضاع المسرح العربي عموماً والأردني خصوصاً، وسعياً لترجمة بيان "فرقة الفوانيس" التي أنشأها الراحل سنة 1983، والذي دعا إلى "تجاوز القوالب الجاهزة والأنماط السائدة التي تسيطر على ‏الحقلين الجمالي والمعرفي".

التظاهرة الموازية ظلّ يُنظر إليها كمنافس للمهرجانات الرسمية، مع توجيه الاتهامات، سواء لجهة تمويلها أو لنزوع عمران نحو التغريب في أعماله. وانطفأ المهرجان في منتصف العقد الماضي، من دون توقّف عند واحدة من أبرز الاحتفاليات المستقلّة التي تحرّرت من قيود في التنظيم واختيار الأعمال المشاركة التي لا تزال تكبّل الحركة المسرحية الأردنية، ناهيك عن إعادة النظر في تجربة عمران نفسه الذي استخدم عناصر شرقيّة بديلة لعناصر الشكل المسرحي الأوروبي، ومنها الكورال الغنائي وطقوس الموالد والفرجة ‏الشعبية، بحسب مقال نشره أستاذ الدراما محمد خير الرفاعي العام الماضي.

انتفت الحاجة إلى المهرجانات المسرحية التي تنظمها الوزارة

آخر المحاولات في هذا الإطار عبّر عنها "مسرح الشمس" الذي افتتح عام 2017 وقام على فكرتين أساستين؛ الأولى وجود مسرحيات بعروض منتظمة على مدار العام، والثانية جمهور يبتاع تذكرة لمشاهدة العرض، إلى جانب تنظيم ورشات تدريبية متخصّصة أيضاً.

واستطاع مؤسّسهُ المخرج عبد السلام قبيلات أن يُحقّق جانباً من رؤيته عبر تقديم مسرحياته ومسرحيات أخرى استضافها، لمرات عديدة وعلى فترات مختلفة طوال العام، لكن لا يمكن القول إن المسرح الجديد أنعش المشهد لعدم وجود حالة تنافس حقيقية بين الفرق الأردنية، كما أن "الشمس" لم يطرح فكرة إنشاء مهرجان خاص به، ما يجعله خارج "حسبة" المهرجانات.

الحديث عن التظاهرات المستقلّة يقودنا إلى مهرجان آخر تنظّمه "فرقة المسرح الحرّ"، وتنطلق دورته السابعة عشرة نهاية الشهر الجاري، لكنه يظّل أسير التصوّر التقليدي للمهرجان في استضافته للعروض العربية الذي يأخذ شكّل المجاملات المتبادلة بين المنظّمين، أو في تنظيمه ندوات تقيمية للمسرحيات المشاركة تهمين عليها الانطباعات الوصفية التي تميل إلى الاحتفاء المجاني عادة.

ثمّة مهرجان جديد يضاف إلى خريطة الموسم المسرحي أعلن عنه قبل أشهر فقط، ويحمل اسم "فرقة مسرح الرحالة"، الذي يقام في التاسع عشر من الشهر الجاري، ويُخصّص لمسرحيات عربية تُعرض في الفضاءات المفتوحة من ساحات وحدائق وأماكن أثرية وسياحية، وتتوزّع على أماكن في مدن عمّان وإربد ومأدبا.

لا يُمكن الحكم على المهرجان قبل انتهاء آخر عروضه، إذ تحمل فكرة الخروج من مسرح العلبة الإيطالية إلى الجمهور في فضاء عام بعداً تجديدياً قد يُحدث فارقاً ما، لكن ذلك لا ينفي توجيه ملاحظات أولية تتعلّق بالإبقاء على المسابقة التي تهدف إلى منح جوائز للمشاركين، إذ لا يمكن غضّ النظر عن تشكيل لجان التحكيم في سياق تحكمه المنافع والمصالح الشخصية عادةً.

حلمٌ كبير رَاوَد المؤسّسين الأوائل في سيتينيات القرن الماضي، وعلى رأسهم هاني صنوبر (1934 - 2000) الذي أسّس فرقة لا يزال اسمها "أسرة المسرح الأردني"، يشير إلى آمال عريضة حكمت تلك المرحلة في تحديث المجتمع وأدوات معرفته وفنونه، والاشتباك مع قضاياه الراهنة، وتعليم أجيال قادمة تتحكّم في بعضها حالة من اليأس والإحباط، فيما ينخرط البعض الآخر مدفوعاً برغبة في التغيير تتضاءل يوماً بعد يوم، أو من أجل تصريف شؤون الحياة اليومية.

المساهمون