ملف: الثقافة العربية واختبار فلسطين... ما العمل؟ (4)

26 أكتوبر 2023
بعد غارات على "مخيّم الشاطئ" بغزّة أول أمس الثلاثاء (Getty)
+ الخط -

السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، التي رأت فيها الشعوب العربية بشائر تحرير وحرية؛ ماذا يمكن أن تفعل الثقافة العربية للقضية الفلسطينية؟ كيف تُصبح الثقافة أداة تحرُّر وتحرير للأرض والإنسان؟ وكيف يمكن أن تقاوم الثقافة العربية هيمنةَ المشروع الصهيوني على العالم العربي من خلال التطبيع والترسانة العسكرية والسيطرة على الإعلام والدعم الأميركي والغربي، وأي أدوات نمتلك؟

شاركنا في "العربي الجديد" هذه الأسئلة مع كتّاب ومثقّفين عرب، في محاولة تفكير جماعي بما يمكن للثقافة العربية أن تفعله الآن - وفي لحظات مفصلية قادمة - في طريقها إلى التحرّر والعدالة الاجتماعية وإنهاء الوقائع الاستعمارية والاستبدادية.

                                              نجوان درويش/ القدس المحتلة


رشيد بوطيب: ثقافة متواطئة ومثقّف مستقيل

رشيد بوطيب
رشيد بوطيب

عندما نتحدّث اليوم عن ثقافة عربية، فماذا نعني بذلك؟ هل نقول شيئاً حقيقياً؟ رُبّ سائل: ألم تصبح هذه الثقافة مرتهنة لمؤسّسات وأجندات وسياسات ترسم حركاتها وسكناتها؟ ألم تعد مجرد طقوس احتفائية، يديرها سماسرة ودخلاء؟ ألم تتراجع بشكلٍ فظيع عمّا كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة؟ جيلٌ بأكمله سُرق منها وآخر يُسرق اليوم؟ ألا تكذب هذه الثقافة على نفسها في وضح النهار وهي تعتقد أنّها تمارس فكراً أو نقداً أو تُنجز أعمالاً إبداعية؟ وهل يمكن وصف هذه الثقافة المنفصلة عن قدر مجتمعاتها وعن أسئلتها بالثقافة الحية؟ وحين نتحدّث عن هذه الثقافة، فنحن نتحدّث أيضاً عن مثقفها، الذي لا يمارس الثقافة لأنّه مقتنع بدورها التنويري والنقدي، بل يمارسها بعقلية التاجر أو السمسار.

لا أسئلة حقيقية له، يكتب في كلِّ شيء، ولكنّه لن يجرؤ على الكتابة عن واقعه. يستسهل مهاجمة الموتى ومهاجمة الآلهة، ولكنّه يولي الأدبار أمام مآسي الراهن، ولا يظهر له صوت في وقت الأزمات الكبرى. لا تشعر به متعاطفاً مع شعبه، وهو كثيراً ما يُعلن احتقاره له ولثقافته. معجبٌ أبديٌّ بالغرب، رغم أنّه لم يعرفه، وإن عرفه، فمن خلال شعاراته الكبرى. الحداثة لديه مجرد قشرة خارجية، يتغنّى بها ولكنّه لا يمارسها، وأنّى له ذلك، والحداثة موقفٌ من العالم، من السياسة والمجتمع والدين. وهو لم يتعوّد أن يكون له موقف.

موقف نقديّ واضح وتسخير لكلّ وسيلة كي لا يسود الابتذال
 

لم تفكر ثقافتنا في الحروب المستمرة والهزائم المتوالية، لم تفكر في الضحايا أو في الحصار الذي قتل أكثر من مليون طفل عراقي. لم تفكر في حصار غزة الأبدي، في القنابل الديمقراطية التي تمزّق الأطفال والنساء، ولم تفكر في الأجيال الهاربة إلى الغرب بحثاً عن الخبز، ولا في الحب ولا في الحياة. لم ترَ ضرورة للتفكير في وضع المرأة داخل المجتمع، ولا في التربية، أو في العنف على الأطفال، لم تفكر في الأشياء الصغيرة ولكن الحقيقية، لأنّها أدمنت الأوهام الكبيرة، ولم تتضامن مع شعوبها العربية في العراق واليمن وليبيا وسورية ولبنان. والقائمة ما زالت مفتوحة.

بل تضامنت مع أنظمة العسكر والممانعة والمحاصصة الطائفية. وحتّى إذا أرادت أن تنتقد، ستجدها تنتقد الأعراض لا الأسباب، تنتقد التقليد، ولكنّها لن تفكّر في علاقته بالنظام الرأسمالي. تهاجم الطائفية ولكنّها تمارسها فكراً وسلوكاً. وباسم حداثتها الزائفة والمزيّفة، ستهاجم الإسلام وتعلّق به كلَّ أسباب تخلّفنا، وسيطرب الغرب لذلك، وتباركه الديكتاتورية.

لا بدَّ لنا أن نعترف بالحقيقة المُرّة التي تقول بأن ثقافتنا العربية الراهنة أو ما نسميه كذلك ليست في مستوى واقع الشعوب العربية وقضاياها المُلحّة. وأن الصخب الموسمي الذي يرتفع هنا وهناك لا يصنع ثقافة مُلتزمة واقعها، فهو إمّا غارقٌ في العاطفية؛ والعواطف رغم نبلها لا تغّير واقعاً بل قد تؤبّده، وإمّا تعبيرٌ عن مصالح طائفية ضيّقة ومقيتة، وإمّا هو لسان حال أنظمة سياسية فاقدة للمشروعية. إنّه تعبير عن فراغ كبير هو هذا الصخب، وعن ضعف وأزمة كبيرين.

ومشكلة هذه الثقافة أنّها غير واعية بذلك، فما دامت تُنتج كتباً وأفلاماً وبرامج تلفزيونية، وتنشر صحفاً وتنظّم جوائز ومعارض أو احتفاليات ثقافية، أو توزّع أوسمة ومناصب، فهي تعتقد أنّها تؤدي دورها، وأنّ دورها لا يتجاوز ذلك. ولكنّنا نادراً ما نقرأ واقعنا من خلال تلك الإنتاجات، بل في غالب الأحيان، لن تكون أكثر من عالة على الحاضر وعقبة أمام فهمه، أو هي جزء من صناعة الوعي المستقيل.

في كتابه: "الثامن عشر من برومير لويس بونابرت" يكتب ماركس أن "الثورة... لا تستقي شعريّتها من الماضي، ولكن من المستقبل". إنّ ذلك شأن كلّ الثورات، وليس السياسيّة منها فقط. غير أنَّ هذا المستقبل لا يمكن أن نفهمه دون مراجعة نقدية للماضي والحاضر. وهذا ما لم تقم به ثقافتنا، أو لم تقم به إلّا بشكلٍ إيديولوجي. إنَّ عليها أن تتحلّى بالتواضع، وفي أقسى لحظات العنف الذي يمارسه الغرب علينا، يجب عليها أن تتعلّم من الحداثة وتواجهها من داخلها، وأن تحذر من أولئك الذي يحدّثونها عن الهوية والأصالة، لكي يخرجوها من الكونية، حذرها من العنف الذي يمارس عليها باسم هذه الكونية.
 
* باحث وأستاذ فلسفة من المغرب


أزراج عمر: تحرير أبنية الفكر

أزراج عمر
أزراج عمر

لا يمكن أن يقف أي مثقف، شاعراً كان أو روائياً، ناقداً أو فيلسوفاً، مفكّراً أو فناناً، متفرّجاً على أي عدوان يُرتكب ضد الأبرياء في أيّ مكان في هذا العالم. والحقيقة، أنَّ الشعب الفلسطيني ما فتئ يعاني من هدر إنسانيته، ولا بدَّ من أن يستيقظ الضمير البشري النائم لإنصاف هذا الشعب ومنحه حقوقه في إطار الشرعية الدولية. 

لا أحبُّ أن أتحدّث بلهجة التفكير والرغبة الرومانتيكية عن إلحاق الهزيمة بـ"إسرائيل" في معركة غير متكافئة، لأنَّ الاحتلال لا يزال قائماً. أرى من موقعي في الغرب، وبكل صراحة، أنَّ الثقافة العربية ليس لها أيّ تأثير جدّيٍ في تشكيل الرأي العام وبخاصّة في أوروبا - الغرب، لأنَّ هذه الثقافة لم تبلور رؤية جديدة وحديثة قادرة على أن تغيّر وجهات النظر تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه قيم الفضاء المدعو بالعربي مشرقيّاً، على نحو محدّد. الثقافة العربية متراجعة وتفتقد طاقة المقاومة للتعريف بنفسها. وأعتقد أنّه حان الأوان لأن نطرح هذا السؤال: ماذا تفعل الثقافة العربية لنفسها أوّلاً؟ لأن هذه الثقافة صارت ضحية التمركز في الطائفية، والقبلية، والعشائرية، والشلّلية، ومستنقع الدكتاتورية الذي يُعاد إنتاجه باستمرار. 

لا يمكن أن تفعل الثقافة العربية، بصيغة الجمع، أي شيء للفلسطينيين ما دامت رهينة هذه المواقع المذكورة. إنّها ثقافة دون أي مشروع حضاري، ومَن يفتقد مشروعاً كهذا، فإنّه لا يقدر أن يلعب دوراً تنويرياً في فضاء الوعي العالَمي لصالح قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية. على الثقافة العربية أن تحرّر نفسها، أوّلاً، قبل أن تزعم أنّها ستسعى، أو يسعى أصحابها، لتحرير الفلسطينيين من الكولونيالية الاستيطانية الإسرائيلية التي تُدعم من القوى الغربية، وتُعيد إنتاج سلوكها الأنظمة السائدة في بلداننا. 

يجب أن "نحارب" على جبهتين: الكولونيالية الداخلية والخارجية
 

والبيّن، في تقديري، أنَّ الصف الفلسطيني مُنقسم. فهناك جزء على الأقل من الضفة الغربية يقول على لسان رئيس السلطة الفلسطينية، بلا أقنعة، أو لف أو دوران، بأنَّ أفعال تنظيم حماس الفلسطيني في غزة لا تمثّل الشعب الفلسطيني، وهناك الجزء الآخر في غزة يقول بأنّ كل ركام أوسلو والنتائج المترتبة عنه لن تقود فلسطين إلى التحرّر، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلّة والمتطابقة مع مضمونها الوطني. أمّا على مستوى الشرائح السياسية والثقافية والفكرية الفلسطينية، فهناك ضباب الانقسام أيضاً، حيث ثمّة مجموعات تدعو إلى دولة بشعبين يتعايشان معاً، وكان محمود درويش وإدوارد سعيد يمثلان هذا الموقف، تمثيلاً لا حصراً. نحن، إذن، أمام غياب رؤية فلسطينية موحّدة تجاه صورة الدولة التي ينبغي أن تقام وتمثل الإثنيّات كافة. أعتقد أنَّ هذا الانقسام سياسي، ويعبّر عن انقسام داخل الثقافة الفلسطينية وداخل الثقافة العربية التي تمثّل الأنظمة الحاكمة على الأقل. 

أعتقد أنَّ الشرط الأساسي لكي تصبح الثقافة أداة تحرّر وتحرير الأرض والإنسان يتمثّل بأن يقرأ العرب والإثنيات التي تعيش إلى جانبهم سلاسل تراث المقاومات التي ما فتئت تحاول تحرير أبنية الفكر والفن والآداب التي أنتجها الإنسان عندنا. من دون تحرير الذوات الفرديّة والمجتمعات عندنا من العناصر الثقافية والنفسية المُنتجة للتخلّف ولقابلية الاستعمار؛ التي هي ظاهرة تبدأ أوّل ما تبدأ عندما تتحوّل أجزاء من الثقافة الوطنية إلى أداة قهر الإنسان ببلداننا، فإنَّ التحرّر من الكولونياليات الخارجية العسكرية والثقافية والقيمية والاقتصادية والنفسية لن يُنجز كمشروع، بل سيبقى مجرد سردية في شكل أمنيات مُزركشة. في هذا الصدد، ينبغي لهامش ثقافة المقاومة عندنا أن "نحارب" على جبهتين متزامنتين ومترابطتين، هما: الكولونيالية الداخلية والخارجية.

أعتقد أنّه ينبغي للمثقفين عندنا إعادة قراءة الفيلسوف الاجتماعي والطبيب النفساني الفرنسي فرانز فانون، الذي طرح منذ أكثر من ستين عاماً مشروع التحرّر من الاستعمار. كذلك يجب أيضاً إعادة العلاقة المنسيّة مع ما أدعوه مشاريع نزع أشكال استعمار المجتمع من طرف ثقافة وإدارة السلطة للحكم عندنا. فالمشروع الصهيوني وتطبيقاته المتواصلة، بدعم قوى معروفة، ينجح ببلداننا جرّاء وجود عناصر وبنيات ثقافية واجتماعية وسياسية تتشابه معه، أو لنقل، من فصيلته، وتتجاوب معه، وغالباً ما تتحالف ربّما، دون وعي في أغلب الأحيان. عندما نُشرع حقاً في إزالة هذه العناصر والبنيات، وفي إخلاء مستعمراتها المختفية في "وعينا" و"لا وعينا" الفردي والجمعي، حينئذ فقط نبدأ بالسير على طريق اكتشاف ماذا ينبغي أن نفعله كي نؤسّس وجودنا النوعي في هذا العالم. ولكن، أنا يائسٌ طبعاً.

* كاتب وشاعر من الجزائر


حسن بولهويشات: رهانٌ على المثقف المستقل

حسن بولهويشات
حسن بولهويشات

يتعرّض الشعب الفلسطيني لأكبر إبادة جماعية من طرف الكيان الصهيوني على مرأى ومسمع ما يسمى بـ"المجتمع الدولي". ولقد بدا واضحاً أن نتنياهو مجرمٌ أبله يريد قتل الفلسطينيين دفعةً واحدة وفي أسرع وقت ممكن. وتدعمه الولايات المتحدة الأميركية في هذا المشروع الإجرامي، وهي الراعي التاريخي للاحتلال منذ 1967، قبل أن تفصح عن دعمها المطلق والمباشر للاحتلال بعد عملية طوفان الأقصى، وتُرسل حاملات طائرات ومعدّات الهجوم الجوي، بل حشدت حلفاءها والمجتمع الغربي للإجهاز على الحق الفلسطيني في الأرض والحياة. في الوقت الذي أرسل القادة العرب إلى فلسطين الكثير من الأدعية في المساجد! 

تدعم أميركا وحلفاؤها إسرائيل بالمعدّات العسكرية، مقابل الصمت العربي الرسمي ككلّ مذبحة ومجزرة. وحدها الشعوب خرجت في مظاهرات شعبية في الرباط والقاهرة وبيروت وبغداد وعمان وصنعاء وتونس وغيرها من العواصم والمدن العربية. وهي كلّها تدين العدوان الهمجي على سكان غزة وما يتعرضون من قصف صاروخي على مدار النهار والليل فارتفع عدد الشهداء والجرحى في الشوارع وتحت المباني المهدّمة. ولقد تمّ الإجهاز بالمرّة على البنية التحتية في قطاع غزة، بل لم يتورّع الجهاز العسكري الصهيوني، الذي قصف المستشفيات، عن إصدار أوامره للكوادر الطبية بالانسحاب وإخلاء المستشفيات في الوقت الذي تكتظ فيه الأسرّة والممرات بالجرحى. من دون احتساب عدد المرضى الممددين تحت أنابيب التنفّس الاصطناعي وهم في حالات حرجة. 

وما عساها أن تملك الشعوب المقهورة غير الهتاف والصراخ في الساحات العمومية؟ لكنّه صراخٌ مهم على الأقل أمام الجبن العربي الرسمي، وفي وقت تَزايَد التطبيع العربي الإسرائيلي، وانخرطَ الطرفان في تعاونٍ مشترك يهم المجالات الحيوية، بما في ذلك المجال العسكري والاستخباراتي. وقد جنّدت الحكومات العربية قنواتها ومثقفيها للدفاع عن مشروع التطبيع وتجميله. فيما وجد المثقف العربي نفسه مجبرًا على التطبيع والرضوخ لحسابات وأجندة المخزن، بل إنّ كثيرًا من بيانات التضامن التي تصدرها اتحادات الكتاب والمنظمات الثقافية والأدبية بالعالم العربي، بمناسبة أو بأخرى، تُحرّرُ بإيعاز من دواوين الوزارات العربية. نتحدّث عن المثقف المدجّن الذي يصطف ضد الشعوب ويشكّل خطرًا عليها، حين انبرى يبرّر تعسّف السلطة ويجد مخرجات لكل مجزرة عربية. 

ومع ذلك، يبقى الرهان الكبير على المثقف المستقل الذي يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وحق العودة لجميع المهجّرين. نراهن على المثقف الذي يحتفظ بمسافة كبيرة من المؤسسات، ويملك الضمير الفكري وينتصر للقضية ويندّد بمجازر إسرائيل. ويفضح المشروع الصهيوني الذي اتسعت قنواته وأصبح يهدد الثقافة العربية التي تراجع دورها بسبب تأثّرها بثقافات وأيديولوجيات لا تتوافق مع منجزها الحضاري ولا مع معطيات المنطقة وتاريخها. وإن كنّا نسجل بطء وترّدد المثقف العربي في التعاطي مع المتغيّرات الفكرية والتفاعل مع الأحداث الآنية، وخير مثال ما شاهدنا إبّان اندلاع ثورات الربيع العربي التي أزاحت البساط من تحت الأحزاب والنقابات العمالية، ومن تحت المثقف الذي اكتفى بدور المتفرّج، وفي أحسن الأحوال دور الإطفائيّ.  

تحرير الذات الفرديّة والجماعية من العناصر المُنتجة للاستعمار
 

نلوم المثقف العربي ونُحمّله المسؤولية التاريخية بخصوص ما يقع في غزة. ونثق في قدرة المقاومة الفلسطينية على انتزاع حقّها في الأرض والحرية. ونثق في قدرة الشعوب العربية وغير العربية على مواصلة الاحتجاج والضغط على حكوماتها وعلى المجتمع الدولي لإيقاف الإرهاب الإسرائيلي. ونلوم أنفسنا كتّاباً وشعراءَ لأننا لا نملك غير الكلمات الغاضبة نرشق بها الصمت العربي من المحيط إلى الخليج. أمّا الأشعار والسرديات المطوّلة التي تؤرّخ للجرح الفلسطيني، فيكفينا هذه الأيام مشاهد الرعب التي تطلع علينا في التلفزيون العربي. بينما منصات التواصل الاجتماعي تمَّ التضييق عليها هي الأخرى، وذلك حين ضاق صدر مارك ورفاقه بالمنشورات التي تدعم فلسطين، وأراد أن يضع الكمامات على أفواهنا.   

* شاعر وكاتب مغربي


عماد عبد اللطيف: توسيع دائرة المقاطعة ومواجهة الثقافة الاستعمارية

عماد عبد اللطيف
عماد عبد اللطيف

الثقافة ساحة من ساحات الحروب من أجل التحرير والاستقلال. فالشعوب الحرّة تتخلّص من التبعية الذهنية والثقافية قبل أن تتحرّر من الاحتلال المادّي والعسكري والاقتصادي. ولكي تستطيع الساحة الثقافية العربية دعم الشعب الفلسطيني المُحتَلّ في كفاحه المشروع من أجل استرداد حقوقه أقترح؛ أولاً: تنسيق الجهود الثقافية المقاوِمة للاحتلال، لا سيما جهود المؤسسات والكيانات المستقلّة مثل اتحادات الناشرين الوطنية والإقليمية، واتحادات الكتَّاب القُطرية والإقليمية والنقابات المِهنية ذات الصِّلة بالثقافة والإبداع مثل نقابات المهن الفنية والتمثيلية والفنانين التشكيليّين والموسيقيّين وغيرها.

وأرجو أن يكون هناك كيان مُعبّر عن هذه المؤسسات داخل القُطر الواحد، وعلى مستوى العالم العربي، وأن تنشر بيانات إدانة لجرائم الاحتلال، وتحثّ أعضاءها على المساهمة كلّ بحسب فنّه وإبداعه في مُساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأرجو أن يكون هناك لجنة تنسيق عليا بين هذه المؤسسات، تُخاطِب نظيراتها في العالم للتعريف بالأُسس الأخلاقية والقانونية والشرعية لمقاومة الاحتلال، وتُفنّد الدعاوى الغربية المُضلّلة التي تسعى إلى إدانة المقاومة، وتدعم الإرهاب الدولي الذي تُمارسه "إسرائيل".

ثانياً: الدعوة إلى مشاريع فكرية وثقافية وفنّية وأكاديمية طويلة المدى تستهدف توعية العرب وغير العرب بحقيقة الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني من أجل حرّيته. يُمكن أن تشتمل هذه المشاريع على معارض فنّية لمجازر الاحتلال، وأفلام تسجيلية توثّق جرائمه، وكتابات سردية تتّخذ من قصص كفاح الفلسطينيين ومعاناتهم موضوعاً لها، وأشعاراً تقدّم صياغة جمالية للمأساة الفلسطينية، ودراسات عِلمية تحلّل خطابات التلاعُب والتضليل الغربية بشأن الاحتلال الإجرامي، وأغان تدعم المقاومة، وتخاطب الضمير الإنساني العالمي، وغيرها. ويمكن أن تقوم المؤسسات الفنية والإبداعية برعاية هذه المشاريع على مدى زمني طويل، بعد وضع خُطط لها.

ثالثاً: مقاطعة الفعاليات والأنشطة الثقافية والفكرية والفنّية التي تقدّمها جهات داعمة للاحتلال عربيّاً وغربيّاً. فللأسف الشديد على مدار العقود السابقة تحالفت بعض الدول الغربية والعربية مع دولة الاحتلال، في وضع خطط لفرض الصمت على المُبدعين، في ما يتعلّق بموقفهم من القضية الفلسطينية تحديداً. قامت هذه الخطّة على إغراء مثقّفين وفنانين وأدباء ومُبدعين عرب بالجوائز والدعوات المجانية والنشر المدفوع والمعارض والمهرجانات وغيرها؛ كي يصمتوا عن نقد الاحتلال، ويتوقّفوا عن إنتاج أعمال تكشف جرائمه، وتنتقد المتواطئين والمتحالفين معه. 

واستُعمِل مَنْحُ هذه العطايا وحجبها وفق سياسة "الجزرة والعصا"، إذ تُمنح لمن ينصاعون لسياسات الجهات المانحة، ويُحرم منها من ينحازون إلى القيمة والمبدأ والأخلاق الإنسانية، مهما كانت جدارتهم باستحقاقها. ومن الضروري تشكيل رأي عام جماعي بين النُّخب المُبدعة يعي مخاطر هذه المؤسسات، وتوسيع دائرة فضحها ومقاطعتها، لا سيما ما تنظّمه وتشرف عليه دول عربية أقامت علاقات تطبيعية مع "إسرائيل" خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تتّخذها "إسرائيل" غطاءً لستر أنشطتها وسياساتها وخططها للسيطرة على العقل العربي.

رابعاً: الوعي بالثقافة الاستعمارية الداعمة للاحتلال، ومواجهتها: فالأفكار العدمية، والمذاهب العبثية، والدعاوى التي تفصل الإنتاج الثقافي والفني عن قضايا المجتمع، تُستغل لعزل النخبة الثقافية والفكرية عن القضايا الأساسية لمجتمعاتهم مثل الحرية والعدالة والمساواة ومقاومة الهيمنة والاستعمار. وهذه النخب التي تشكّل عقل المجتمع، يجب أن تكون طليعة الدفاع عن قيم المجتمعات العربية ومستقبلها، وفي القلب من ذلك الدفاع عن الشعوب المحتلة، وتقديم أعمال أدبية وفنّية وفكرية تقاوم المحتلّ، وتكشف جرائمه ضدّ الإنسانية.

* باحث وأكاديمي مصري


محمد العتابي: حكايتنا هي المقاومة

محمد العتابي
محمد العتابي

في خطابٍ لأحد قادة السكّان الأصليين لأميركا، والذين يُسمّيهم الرجل الأبيض الغاصب بـ"الهنود الحمر"، يرى بأن أحد أسباب استمرار الدمار الذي لحق بهم هو رحيل قصصهم برحيل عجائزهم، وأنّ أهم ما يمكننا توريثه لأجيالنا يُمكن تلخيصه بجملتين: "من نحن" و"ما هي حكايتنا؟". نحن الشعوب التي اعتدى عليها الصهاينة، وسلبوها أرضها، حكايتنا هي المقاومة وحُلم العودة الذي لا بدّ منه في يومٍ من الأيام.

في ما يخصّ دور الثقافة العربية في مواجهة العدوان الصهيوني ودعم المقاومين في فلسطين، أقول لطالما آمنّا بأن الكتابة هي عملية مُقاومة للنسيان ودفاع عن الذاكرة، ومن خلال الكتابة نستطيع أن نُخلّد مآسينا وانتصاراتنا، ونُسجّل سرديّتنا وحكايتنا لتأخذ مجراها للخلود.

العمل الثقافي ليس مقتصراً على العمل الإبداعي بفنّياته وأدواته فحسب، بل يتجاوزه في تسجيل المواقف وتنظيم الصفوف، وأفضل تمثيلٍ لذاك هو تسجيل العرب مقاطعتهم الواضحة، من مؤسسات ثقافية وأفراد، لـ"معرض فرانكفورت الدولي للكتاب" اعتراضاً على عدم حياديته وانحيازه للموقف الصهيوني، وإلغائه تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، وهذه الأفعال تأتي في سياق ازدواجية المعايير الغربية التي تُنافي ثوابتهم المزعومة حول المساواة والعدالة والإنسانية.

من واجب المؤسسات الثقافية والكتّاب والصحافيين العرب، العمل على حماية التراث الثقافي والعِلمي الفلسطيني، وإحياء ودعم الأدب الفلسطيني، ونشر الكتب الداعمة لموقف فلسطين، والإضاءة على ترجمات لأصوات غربية وعالمية داعمة للقضية الفلسطينية، لأصحابها وجهات نظر داعمة للحقّ الفلسطيني.

تحية إجلال للمقاومة الفلسطينية التي لقّنت الكيان الصهيوني أقسى الدروس، وأثبتت مرّة أُخرى أنّ المُقاوم لا يُهزَم، وأنها الخيار الوحيد لتحقيق العدالة لهذا الشعب.

* شاعر من العراق

المساهمون