مقداد عرفة منسيّة.. على خطى ابن الفارض

08 يناير 2021
(مقطع من عمل لـ نجا المهداوي)
+ الخط -

يشير مقداد عرفة منسيّة في محاضرته "الشرح الصاحي على خمرية ابن الفارض" إلى الاهتمام الذي لم يتقطع بقصيدة المتصوّف المصري (1181 – 1234) قديماً وحديثاً؛ شرحاً ودراسة وترجمةً، بين من اعتبرها ذات طابع شعري أدبي بحت تدور حول أحوال الحبيب والحب فشرحوها من باب اللغة والبديع، ومن صنّفها من الشعر الخمري الروحي وتعبّر بطريقة رمزية عن مضامين نظرية دقيقة وتدعي وصف الوجود على ما هو عليه وتشرح تجربة الإنسان المعرفية والوجودية، ومن الواضح أنها أغراض التصوّف الفلسفي بعينها.

ويوضح أستاذ الفلسفة العربية الإسلامية في المحاضرة التي بثّت افتراضياً أمس الخميس بتنظيم من "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون/ بيت الحكمة"، في قرطاج بالقرب من تونس العاصمة، بأن القسم الثاني من الشرّاح وقف عند بناء القصيدة على اصطلاح الصوفية، إذ تُذكر الخمرة بأسمائها وأوصافها ويريدون بها ما أدار الله به على ألبابهم من المعرفة أو من الشوق والمحبة.

يضيف منسيّة أن أغلب شرّاح خمرية عمر بن الفارض على مذهب من عُرفوا بأصحاب نظرية وحدة الوجود في تاريخ التصوّف الإسلامي، وكانوا من أعلامها، من أمثال الكاشاني وعبد الرحمن الجامي وداود بن محمود القيصري وسعيد الفرغاني وعبد الغني النابلسي وآخرين، ورغم ذلك يرى المحاضِر أنه تبقى جوانب من القصيدة لم تول العناية الكافية من مفسّريها.

يرى المحاضر أنه يمكن وضع القصيدة الخمرية في سياق التطوّر التاريخي للتصوف

 

وينطلق صاحب كتاب "الفارابي: فلسفة الدين وعلوم الإسلام" من كون ابن الفارض قصد أن تحمل قصيدته مضامين مذهبية، وأنه حيك بناؤها بإحكام وفصّلت وفق تمفصلات المضامين النظرية ورُتّبت أجزاؤها بحسب نظام متسلسل يعكس البنية الأساسية لهذه الرؤية، لافتاً إلى أنه يتعذر فهم القصيدة من دون ذلك، إلا أنه يمكن التمييز داخلها بين جزء له أغراض شعرية ولا داعي عند شرحه لتحميله ما لا يطيقه، وبين أجزاء ذات مضامين نظرية.

واعتماداً على المورخين شرّاح الخمرية، يرى المحاضر أنه يمكن وضعها في سياق التطوّر التاريخي للتصوف، بالعودة إلى آراء ابن تيمية ولسان الدين الخطيب وابن خلدون، وتحديد اعتقاد ابن الفارض بمذهب وحدة الوجود ضمن مدارس التصوف، والذي لم يترك شعراً إلا ديوانه بحيث لا يمكن العودة إلى غيره لفهم مذهبه، كما أن العديد من شروحات قصيدته زادتها غموضاً.

وبيّن منسيّة أن الفلسفة أقل تعقيداً من التصوف الفلسفي الذي اشترك مع الفلسفة في اعتبار أقوال الشرع المتعلقة بالاعتقاد والعبادة إنما هي ظواهر تحول إلى حقائق باطنة وحتى الفقه تمّ تأويله في هذا الاتجاه ويدركها العارف السالك، إلى جانب الصياغة الشعرية التي يقوم بها العارف فيمثّل بالرموز حقائق الوجود القصوى وتجربة المتصوف الحاسمة والتي تفرض فهمه للدين، وهذا تمفصل ثانٍ بين الرمز والحقيقة يعتمد التعبير بالإشارة، إذ إن اللغة تعتبر قاصرة عمّا يدرك بالوجدان.

وبناء على ذلك، يكون ابن الفارض، بحسب المحاضر، قد صاغ مضموناً نظرياً صياغة رمزية وأن المنهج المتبع في التعبير عن هذه المعاني وعن الكيفية التي يخبرها الإنسان بها هو التمثيل، أي اعتماد صور حسّية في متناول الإدراك العادي المباشر ليتخذها إشارات يرمز بها إلى حقائق معنوية يتعذر التعبير عنها لغة، حيث الرمز يجب أن يشير دائماً إلى الحقيقة الواحدة.

ويلفت منسيّة إلى أن رؤية القصيدة المركزية تقوم على الوجود، والأنا، والعلاقة الأصلية، والنسيان والغفلة، والحياة والمصير، وأن التجربة الأساسية تتكئ على الذكْر والحنين والسلوك والوصول والعبارة الشعرية، حيث قامت القصيدة الخمرية على التصريح بالشراب والسكر (الوصول)، والمديح (الخواص والمدامة ومزياها)، والوصف (أوصاف المدامة وأحكام الكائنات)، والسلوك (أحكام العارف).

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون