مفكرة المترجم: مع نور طلال نصرة

25 فبراير 2023
نور طلال نصرة
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "وجود المُحرّر ضروري جداً ليخرج العمل المترجَم بأفضل صيغة ممكنة"، تقول المترجمة والكاتبة السورية في لقائها مع "العربي الجديد".



■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟ 

- بدأت حكايتي مع الترجمة في السنة الرابعة لدراستي الجامعية في قسم اللغة الإنكليزية بـ"جامعة تشرين". قرأتُ بعض قصائد الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث وقررتُ ترجمتها، ولم أكن أعرف آنذاك أن الشّعر هو من أصعب الأنواع الأدبية في الترجمة. لكن كوني شاعرة، لم أشعر بصعوبة في نقلها للعربية "كمبتدئة" في الترجمة. ثم بعد تخرجي من الجامعة بدأت بترجمة المقالات ونشرها في المواقع والصحف حتى حصلت على أول فرصة لترجمة أول رواية مع دار "الجيدة" في الأردن عام 2019. 


■ ما آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟

- آخر ترجمة هي رواية "بُني.. أصفر" للكاتب البرازيلي باولو سكوت، وصدرت عن دار "الخان" في الكويت. أترجم حالياً رواية لدار "الحياة". 


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

- العقبات كثيرة، بدءًا بالتعامل مع المفردات اللغوية الحديثة، وليس انتهاء بتطويع القارئ العربي. لدينا مشكلة في التنسيق بين الدور أيضاً، وخاصة فيما يتعلق بالكتب التي ليس لها حقوق، فقد نجد العمل نفسه مترجماً من قِبَل مترجمين في الوقت نفسه، وهنا هدر لجهد المترجم وتضييع لوقته. وبالنسبة للمفردات العربية؛ لغتنا غنيّة ومرِنة، ومع ذلك نجد حرجاً أحياناً في استنباط واشتقاق مفردات تتماشى مع الحداثة، خوفاً من مزاجية القارئ العربي.

أحترم جدّاً جهد المحرّر، وهو مكمّل لجهد المترجم

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتكِ بعد الانتهاء منها؟

- وجود المُحرّر ضروري جداً ليخرج العمل بأفضل صيغة ممكنة. أحترم جداً جهد المحرّر، وهو مكمّل لجهد المترجم. أحياناً تفوت المترجم ثغرات بسيطة من شدّة الإرهاق في فترة الترجمة، يلتقطها المحرّر بعينه الثاقبة والمهنيّة. 


■ ماذا عن علاقتكِ مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- علاقتي جيّدة مع جميع الناشرين الذين عملت معهم، وأغلب العناوين يختارها الناشر.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختياركِ للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- ثمة قيود بالنسبة لأي مترجم يعيش في العالم العربي من ناحية التطرق للآراء السياسية، لكن طالما أن هذا الطرح بعيد أو لا يلامس بشكل مباشر قضايا سياسية عربية بعينها، فبالإمكان قبوله أو تليين حدّته. بالنسبة لي، ترجمتُ العام الماضي كتاب "الأدب الإيطالي"، وتناول في أحد فصوله الفاشية الإيطالية، لكنني لم أشعر بالتقييد، فهو كتاب أدبي نقدي. وفي ترجمتي الأخيرة لرواية "بُنيّ.. أصفر" البرازيلية ثمة أفكار وطرح في الرواية قريب ومشابه لما شهدته البلدان العربية في السنوات القليلة الماضية، لكنه في المجمل يعبّر عن رأي كاتبه، باولو سكوت. ما يجعلني أتوقف فعلاً عند أي طرح سياسي هو أن يكون هذا الطرح فجاً ويُجمّل مفاهيم مثل العنصرية أو التشدد الديني. 


■ كيف هي علاقتكِ مع الكاتب الذي تترجمين له؟

- لم يسبق لي أن تواصلت مع أي كاتب ترجمتُ له من قبل. علاقتي مع الناشر فقط. 


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف تكون العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- أنا شاعرة وكاتبة قبل أن أكون مترجمة، كتبتُ الشّعر والقصّة والمقالة، ولي تجربة في كتابة الرواية لم تكتمل بعد. وعندما بدأتُ في الترجمة، تضافرت جميع هذه الإمكانيات في داخلي. وكنتُ سعيدة في البداية، إذ لمستُ أن الشّاعرة تلاحمت مع المترجمة، وبالفعل كنتُ راضية، لكن بعد أعوام عدة من الغرق في الترجمة، بتّ أشعر بالعجز أمام الشّاعرة التي في داخلي، لأنني لم أعد قادرة على تقديم الكثير لها، لقد أزاحها ثقل المترجمة المنهمكة دوماً والمشغولة بالأعمال المتراكمة.


■ كيف تنظرينَ إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- أراها جيّدة، لكن بالنسبة لشروطها من حيث تأمين نسخ محددة من العمل الأصلي، أظن يجب إعادة النظر في هذا الشرط وأراه مجحفاً، لأنه من الصعب على المترجم تأمين هذه النسخ إن لم تتكفل الدار بذلك.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- العمل المؤسساتي في العالم العربي إجمالاً غير موجود وغير ناجح، ليس في الترجمة فقط، بل في أغلب المجالات، تنقصنا الرؤية والأفراد القياديون والخطط الناجحة، مع استثناءات قليلة، وقد حظيت بالعمل في الترجمة مع أحدها.


■ ما المبادئ أو القواعد التي تسيرينَ وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- ليس لدي قواعد محددة، كل عمل له أسلوبه في الترجمة، فهناك أعمال أبدأ بترجمتها دون قراءتها، إذ في كثير من الأحيان لا يوجد لدي وقت لقراءة العمل. وهناك أعمال تتطلّب ليس فقط قراءتها، بل الاطلاع على كتب تضيء عليها ومراجعة جميع القراءات حولها. من عاداتي الاستيقاظ باكراً، والترجمة في هدوء تام وعزلة. لا أترجم عملين معاً، كما أنني أقوم بالمراجعة بشكل دقيق بعد الانتهاء من العمل بشكل كامل، ثم أعيد قراءته بهدوء لألتقط أي ثغرة.


■ كتاب أو نص ندمتِ على ترجمته ولماذا؟

- لم أندم على ترجمة أي كتاب؛ كل عمل هو رحلة وتجربة جديدة. 


■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية.. وما حلمكِ كمترجمة؟

- أتمنى انتشاراً أكبر، فنحن مُقلّون جداً في الترجمة للغة العربية مقارنة باللغات الأخرى، لدينا أزمة حقيقية مع القارئ العربي، الذي لا يقرأ، وأزمة مع الناشر. حلمي كمترجمة أن يصبح في رصيدي عددٌ مُعيّن من الترجمات أكون راضية عنه، وأصنع اسماً مهمّاً بين المترجمين العرب، الأمر الذي سيجعلني مؤهّلة وقادرة أكثر على انتقاء ترجماتي، ولأستطيع بعدها إقامة توازن ما بين الكتابة والترجمة: ربما أكمل مسودة روايتي التي بدأتها منذ عامين وتوقفت بسبب تفرغي للترجمة، أو أعود لشغفي في الشّعر.



بطاقة

مترجمة وكاتبة سورية من مواليد دمشق عام 1987. حاصلة على إجازة في الترجمة من "جامعة تشرين"، وتعمل محرّرة ومترجمة لعدد من المواقع العربية. من ترجماتها عن الإنكليزية: "مذكرات براس كوباس بعد الموت" لـ ماتشادو دي أسيس (دار الجيدة)، و"سيدة تائهة" لـ ويلّا كاثر (دار الأهلية) وو"منزل البروفيسور" للكاتبة نفسها (دار جدل)، وكتاب "الأدب الإيطالي" لـ بيتر هينسوورث وديفيد روبي (مشروع كلمة)، و"بُني أصفر" لـ باولو سكوت (دار الخان). تصدر لها قريباً ترجمة رواية "القرصان والمجنون" لـ آر.أم. بلانتاين (دار أدب بوك ومركز الأدب العربي).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون