مفكرة المترجم: مع مينا شحاتة

20 يونيو 2022
(مينا شحاتة)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "الترجمة اتصال ذهني بروح الكاتب حتى نستطيع احتواء النص وسبر أغواره"، يقول المترجم المصري في لقائه مع "العربي الجديد".



■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- بدأتُ رحلة الترجمة منذ أكثر من عشر سنوات، نتيجة عملي مُدرّساً لـ اللغة الإيطالية في كلية الآداب بـ "جامعة الفيّوم" المصرية، حيث عملتُ في "مركز اللغات والترجمة" في الجامعة ذاتها، ومنها بدأت الاهتمام بصورة أكبر بالترجمة الأدبية التي كانت بدايتي معها منذ قرابة عامين مع دار "العربي للنشر والتوزيع" وراوية "أحلام سعيدة يا صغيري" للكاتب والصحافي الإيطالي ماسّيمو غراملّيني، خصوصاً لكونها موضوع رسالتي للماجستير في "كلية الألسن" بـ "جامعة عين شمس".


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- أسعى حالياً إلى ترجمة أهمّ أعمال الكاتبة الإيطالية الحاصلة على نوبل غراتسيا ديليدّا. وبالفعل، ترجمتُ لها روايتي "رماد" و"إلياس بورتولو" الصادرتين مؤخّراً عن "دار سؤال" اللبنانية. أمّا الآن، فأوشكت على الانتهاء من ترجمة روايتها الملحمية "طريق الشر" التي سيجري نشرها مع "دار المتنبّي" في السعودية.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

- العمل في مجال الترجمة ليس بالأمر الهيِّن على الإطلاق؛ فبرأيي أنّ المُترجِم لا يُحسَب مترجماً فحسب، وإنّما كاتب ومحرّر ومراجع وربّما شاعر أيضاً. الأمر لا يتعلّق بالعقبات أكثر من تعلّقه بمهارات المترجم والعمل على تطويرها؛ ذلك أنّ النص واللغة في حراكٍ مستمرّ، الأمر الذي إذا لم يواكبه المترجِم، خصوصاً في الأعمال الحديثة، ربّما يُهدِر قيمة النص وأصالته. أزعم أنّ العقبة تكمن، هنا، في فردية عملية الترجمة؛ فالأمر لا يتعلّق بمؤسّسات أو هيئات حكومية تسعى لتطوير مهارات المترجم، وإنما الأمر يقع على كاهله فحسب.


■ هناك قول بأنّ المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- بالطبع، أغلب الروايات التي ترجمتُها جرت مراجعتها من قِبل محرّرين لهم كلّ الفضل في إخراج النص المترجَم بصورة سليمة. لكنّ المشكلة تكمن، في بعض الأحيان، في تدخُّل المحرّر في سياق النصّ بصورة مبالغة، وتغيير أسلوب الكاتب الذي ربّما كان يميل إلى غموضٍ لم يدركه المُحرّر.

يُعدّ المترجِم كاتباً ومحرّراً ومراجعاً، وربّما شاعراً

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- حتى الآن، علاقتي مع دُور النشر كافّةً علاقة طيبة؛ فهُم يثقون في قرار المترجِم، بدايةً من اختيار الأعمال المترجَمة وحتى ترشيح العناوين المناسبة.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- كلّ الأعمال التي ترجمتها، حتى الآن، لم تتعرّض لقضايا سياسية بشكل مباشر، لكن أغلبها يناقش قضايا اجتماعية ودينية، أذكر منها على سبيل المثال رواية "بعد الطلاق" لـ غراتسيا ديليدّا؛ حيث تناولت من خلالها دوافع الطلاق على مستوى الفرد والمجتمع، والمآزق التي تُعدّ بلا مخرج وفقاً لمضمون الرواية.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- إن كنّا نتحدّث عن أعمال حديثة، فهناك علاقة طيّبة تربطني بالكتّاب الذين أُترجم أعمالهم إلى العربية، كما أتعمّد إرسال غلاف الترجمة العربية إليهم فور صدوره، الأمر الذي يُسعدهم كثيراً. أمّا إن كنّا نتحدّث عن الأعمال الكلاسيكية، فدعني أؤكّد لك أنّ عملية الترجمة تجعلنا على اتصال ذهني بروح الكاتب حتى نستطيع احتواء النص وسبر أغواره، لا سيّما أنّ المترجِم في رأيي يُعدّ بمثابة رفيق للمؤلّف، يحيا خبرتَه، ويفهم مقاصد النصّ حتى إن لم يذكرها علناً.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- بدأتُ رحلة الترجمة من خلال كتابات بسيطة لم تُنشَر، ولا شكّ في أن المترجم يُعد كاتباً في الأصل؛ فالمترجم يهدم النص ليبنيه ويركّبه مرّة أُخرى بلغة جديدة يترك فيها أثره وأسلوبه مهما بلغت دقّته.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- لم أتقدّم بعد إلى أيّة مسابقات تتعلق بالترجمة. ربما بعد الانتهاء من مشروع الترجمة الحالي أُفكّر في الأمر.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- كما ذكرتُ من قبل، إنّه من ضمن معوّقات الترجمة اتّسامُها بالعمل الفردي، وهذا سائد في أغلب الأعمال المترجمة في وطننا العربي. لكن إن كنّا نتحدّث عن مشاريع الترجمات المؤسّساتية، فأزعم أنّنا في حاجة إلى وضع خطط واستراتيجيات طويلة المدى في المقام الأوّل للمشروع الأدبي المراد ترجمته، خصوصاً مع وجود أعمال أدبية ضخمة تحتاج إلى عمل جماعي، بدءاً من الترجمة وحتى أعمال المراجعة وتحرير النص.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- أهم قواعد الترجمة التي أعمل جاهداً على الحفاظ عليها هي الالتزام بروح النص ومضمونه، وفي ذات الوقت نقله إلى العربية بمرونةٍ يفهمها القارئ العربي من دون أن يشعر أنّ العمل الذي بين يديه مترجَمٌ من الأساس، وأزعم أنّ الحِفاظ على هذا التوازن يساهم في نجاح العمل المترجَم بشكل كبير. أمّا من حيث العادات التي أتّبعها؛ فأوّلاً أقرأُ العمل أو نبذة عنه حتى يتسنّى لي اتخاذ القرار المناسب من حيث ترجمته من عدمه، وثانياً أبدأ في ترجمة العمل وفق خطّة زمنية لأقوم بعد ذلك بمراجعته وإعادة صياغة المفردات والجمل من جديد بعد الانتهاء من العمل تماماً.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- لم أندم على أيّ نصّ ترجمتُه، ربّما يرجع ذلك إلى التأنّي الشديد في اختيار الأعمال الروائية قبل البدء في ترجمتها.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- أتمنّى أن تُساهم الترجمة في تقليص الاختلافات والفوارق بين الشعوب، فإن قُلنا إنّ شبكات الإنترنت جعلت من العالم قرية صغيرة، فإنّ دور الترجمة هو توطيد العلاقات بين سكّان هذه القرية. أمّا عن حلمي كمترجمٍ، فأتمنّى أن أنجح في إلقاء الضوء على كتّاب إيطاليّين مغمورين في الوطن العربي، وترجمة أنماط ثقافية متنوّعة بين الأدب والتاريخ وعلم النفس.



بطاقة

مترجِم من الإيطالية إلى العربية من مواليد الفيوم في مصر عام 1987، يعمل مدرّساً في كلية الآداب بـ"جامعة الفيوم". ترجمَ أعمالاً أدبية متنوّعة؛ من بينها: "أحلام سعيدة يا صغيري" (2020) لـ ماسّيمو غراملّيني، و"من التالي" (2020) لـ لويدجي بيرانديلّو، و"شجرة اللبلاب" (2021)، و"رماد" و"إلياس بورتولو" (2022) لـ غراتسيا ديليدّا.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون