تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "الرأسمالية الثقافية شغلت الترجمة بالكسب المادي على حساب الكسب الحقيقي المتمثّل بالمعرفة"، يقول المترجم الفلسطيني في حديثه مع "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
أثناء إعدادي لأطروحة الدكتوراه التي تتحدّث عن "تخيّل الموريسكيّين في الرواية المعاصرة الإسبانية والعربية"، وجدتُ عدداً من الروايات الإسبانية التي مثّلت تاريخ الموريسكيين بأساليب وتقنيات سردية ملفتة. ومنها رواية "قبر المنفي"، فتحدّثت مع كاتبها خوزيه ماريا لوبيث، وطرحتُ عليه فكرة ترجمة روايته، فأبدى رغبته في ذلك. وتواصلت مع دار نشر عربية ("سؤال للنشر والتوزيع")، ونسّقت معهم. ثم ترجمتُ النص، فكانت هذه الرواية أولى أعمالي المترجمة إلى العربية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجماتي هو كتاب "ما أجمل العيش من دون ثقافة: الثقافة كمُضاد لأخطار الحماقة"، للكاتب الإسباني ثيسار أنطونيو مولينا، وهو كتاب فكري، يناقش "حال" الثقافة العالمية اليوم، بدراسة ثنائية: المعرفة - الرقمنة. أعملُ حالياً على ترجمة كتاب "التاريخ الثقافي للألم" للفيلسوف الإسباني خابيير موسكوسو، وسيصدر قريباً عن "دار نينوى للنشر والتوزيع".
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
من العقبات التي تواجه المترجم: ضعف الاتصال الفعّال بينه وبين دار النشر التي يُترجم لها، ويؤدّي هذا الضعف إلى استلام العمل، دون تدقيق ربما، أو دون قراءات نهائية، تُخرج العمل بشكلٍ غير مناسب. بالإضافة إلى المكافأة المالية اليسيرة التي يتقاضاها المترجِم مقابل عمله. فبمقارنة بسيطة مع المترجِمين الإسبان، الذين ينقلون نصاً ما من الفرنسية أو الألمانية أو الإنكليزية، فإننا نجد حقوقاً واضحة للمترجم، واتفاقاً تفصيلياً، يُظهر الشكل النهائي للعمل المترجَم، وكيفية إخراجه، ومتابعته، حتى يصل إلى مَتاجِر الكتب المختلفة.
أهتمّ بترجمة كتب تُشكّل إضافة إلى الثقافة العربية
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
في الحقيقة لا أحد يُحرّر لي بعد الانتهاء من ترجمتي، وأكتفي بالمُحرّر الخاص بدار النشر التي أترجِم لها.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
العلاقة ممتازة، وأنا، في العادة، الذي أختار العناوين التي أترجمها، لا سيما الكتابين الأخيرين.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
لا، لا توجد أي اعتبارات سياسية لاختيار العمل الذي أرغب في ترجمته. أهتمّ بترجمة الكتاب الذي يُشكّل إضافة مهمّة إلى الثقافة العربية، ويناقش مسائل يمكنها أن تُحفّز المتلقّي، وتثير عنده أسئلة متنوّعة، تُساعده على التفكير في الواقع الذي يعيشه.
كوّنتُ علاقة جيدة مع مؤلّف كتاب "عندما كنّا عرباً"
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
كوّنت علاقة جيدة مع كاتبَين اثنين ترجمتُ لهما: إميليو غونثالث فيرّين مؤلّف كتاب "عندما كنّا عرباً"، وخوزيه ماريا لوبيث مؤلّف رواية "قبر المنفي". وأرى أن تكوين العلاقة مع الكاتب، تُساعد المترجِم في تفسير بعض المفاهيم، وربطها بالمعنى السياقي المُراد.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
لأنني متخصّص في الدراسات الأدبية والفنية والثقافية، فإنني أحاول أن أختار العناوين التي ترتبط بمجال تخصصي، وهذا يُساعدني في الدمج بين أسلوبي ككاتب للأبحاث العلمية والمقالات المعرفية المختلفة، ومترجم ينقل عملاً، على سبيل المثال، في الفكر، أو الفلسفة، أو الأدب... وغيرها. تجدر الإشارة إلى مسألة أُخرى، ومهمّة، متعلّقة بترجمة النصوص الفكرية والفلسفية تحديداً، وهي أنها تساعد في التكوين المعرفي والثقافي عند المترجِم، وتخلق عنده أسلوباً ثانوياً في كتاباته البحثية التي قد تتقارب والموضوعات التي يُترجمها.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجائزة فعل تحفيزي للمترجمين، وتساعدهم على المنافسة، وهذا، بالتالي، يساهم في العثور على ترجمات عميقة وممتازة.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
إنّ وجود الترجمة المؤسساتية، لا سيما المؤسساتية الجامعية، مهمّ جداً في اختيار المترجِمين المتخصِّصين، وتحفيزهم، وتطوير أساليب الترجمة، والمساعدة في اختيار العناوين المهمة التي تُشكّل قيمة معرفية في العالم العربي، وبالتالي، فإنّ وجود الترجمة المؤسساتي فعل مساعد على تكوين الثقافة، وتحفيز القرّاء، ودعم المترجم مادياً ومعرفياً.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
في البداية، عليّ التعرّف إلى أهمية الكتاب الذي أرغب في ترجمته، بطرح أسئلة في ذهني: هل هذا الكتاب يفيد القارئ العربي؟ ما التأثير الذي يمكن أن يتركه؟ ويهمّني أيضاً معرفة مؤلّف الكتاب، وما تخصّصه، وما قيمة الكتاب باللغة الأصل، هل ترك أثراً عند المتلقّين بتلك اللغة، هل اهتموا به؟
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لا يوجد أي كتاب أو نص ندمت على ترجمته، على العكس أعتزّ بترجماتي.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنّى ألا تقتصر ترجماتنا على النصوص الأدبية: الرواية تحديداً، وأن ننظر إلى النصوص الفكرية والفلسفية، واختيار الكُتب المعرفية المهمّة التي تساعد المتلقّي على تطوير ذاته، وتُحفّزه على تذوّق النصوص بأنواعها. أتطلّع إلى تشكيل مؤسسات متخصصة في انتقاء النصوص المحورية والمؤسسة من اللغات العالمية المختلفة، وترجمتها إلى اللغة العربية، وأن تحتضن هذه المؤسسات المترجِمين، وتوضّح لهم حقوقهم ومسؤولياتهم تجاه الأعمال المختارة، وألا تكون هناك فوضى في اختيار النصوص. والأهم من ذلك، أن يكون لكل دار نشر أو مؤسسة "كشافون" يبحثون عن النصوص المحورية، التي تهمّ القارئ العربي بأنواعه، والابتعاد عن الرأسمالية الثقافية المتمثّلة في الاهتمام المطلق بالكسب المادي على حساب الكسب المعرفي.
بطاقة
باحث ومترجم فلسطيني من مواليد نابلس عام 1989. حاصل على دكتوراه من "جامعة مدريد المستقلة"، ومختص في الأدب المقارن والدراسات الثقافية. من ترجماته عن الإسبانية: "قبر المنفي" لخوزيه ماريا لوبيث، و"قبل النهاية" لإرنستو ساباتو، و"عندما كنّا عرباً" لإميليو غونثالث فيرين، و"ما أجمل العيش من دون ثقافة: الثقافة كمضاد لأخطار الحماقة" لثيسار أنطونيو مولينا. تصدر له قريباً ترجمة "التاريخ الثقافي للألم" لخابيير موسكوسو.