مفكرة المترجم: مع جميلة حنيفي

14 فبراير 2022
جميلة حنيفي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى العربية اليوم. "أتمنى أن نترجم كلّ النصوص التي تناولت ثقافتنا وتاريخنا، نجاحاتنا الماضية وخيباتنا الحاليّة"، تقول المترجمة والباحثة الجزائرية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 
- بدأت حكايتي مع الترجمة بشكل عفوي، وكأن الترجمة كانت موجودة فيّ بالقوّة، وبعدها خرجت إلى الفعل حينما آن أوان خروجها. عندما استكملت دراستي لتحصيل الإجازة في اللغة الإنكليزية، كنت دوماً أتساءل ماذا يمكنني أن أفعل بدراستي لهذه اللغة. وأنا أطرح هذا السؤال كان بالي مشغولاً أيضاً بلغتي العربية: كيف أخدمها؟ يمكن القول إنني كنت أبحث عن وشيجة تجمع بين حبّي للّغتين، ووجدتها في الترجمة. وتحقّق ذلك في أوّل ترجمة لي، وهي عبارة عن حوار مع مؤسّس الفلسفة للأطفال، الفيلسوف والمربي الأميركي ماثيو ليبمان (Matthew Lipman)، وقد نُشرت في العدد الثالث من مجلّة "تطوير" التي يصدرها مخبر "تطوير" للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية بـ"جامعة سعيدة" سنة 2016.


■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟
- صدرت لي أخيراً ترجمتان: الأولى تضمّ ثلاثة عشر حواراً مع فلاسفة أميركيين معاصرين، وهي حوارات أجرتها "مجلّة هارفارد"، وتحمل عنوان "حوارات هارفارد: حوارات فلسفية حول الفلسفة الأميركية المعاصرة"، وقد صدرت عن دارَي "ابن النديم" و"الروافد الثقافية". والثانية ترجمة لكتاب بعنوان "أمزجة فلسفية: من أفلاطون إلى فوكو" للفيلسوف الألماني المثير للجدل بيتر سلوتردايك عن "دار نينوى". وصدرت الترجمتان في منتصف كانون الثاني/ يناير2022. وقريباً ستصدر ترجمة ثالثة بعنوان "كورونا من زاوية فلسفية" عن "دار الوطن اليوم" في الجزائر، وهي تضمّ مجموعة مقالات كتبتْها أيقونات بارزة في فسيفساء الفلسفة الغربية بالقرن الحادي والعشرين. وهدفها إبراز إسهام الفلسفة الأوّلي في فهم هذه الجائحة الكاسحة للبشرية جمعاء.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
- أبرز عقبة تُتعب المترجم الشغوف بفعل الترجمة، عدم تفرّغه التام للترجمة. إذ عليّ دوماً أن أجتهد لتخصيص وقت لها وألّا أهملها من أجل اهتمامات بحثية أخرى أو انشغالي بالتدريس بالجامعة. أيضاً، تحتاج الترجمة إلى مؤسّسات ترعاها وتتكفّل بها في إطار رؤية مستقبلية حضارية واستراتيجية جامعة للجهود الفردية المشتّتة هنا وهناك. كذلك يحتاج المترجم إلى دعم وتشجيع وتحفيز معنويّ ومادّيّ في الوقت نفسه، لكي يواصل وتبقى شعلة الولع بالترجمة متّقدة فيه.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- لا يوجد. ترجماتي جزءٌ من كياني أنا، أشعر بكلّ كلمة أكتبها وأحياناً تعسر ولادة اللفظة فتستغرق ساعات، بل وأياماً حتى تنبجس في ذهني. فضلاً عن عدد المرّات التي أقرأ فيها النصّين، الأصليّ والمترجَم.


■ كيف علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقاتي مع الناشرين طيّبة عموماً، ولكن ليسوا هم مَن يختارون ما أترجم، بل أنا مَن يفعل ذلك، فلا أستطيع ترجمة نصّ لم أخترْه ولم يأخذ بقلبي موقعاً. بعدها أعرضه على الناشر، ولا أخفيك أن في ذلك تعباً ليس باليسير.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- لا يمكن بحال من الأحوال التغاضي عن البُعد السياسي المنغرس في حياتنا، ولكنّ هذا لا يعني عدم نقل الطروحات السياسية المتضمّنة في النص الأصليّ بكلّ أمانة وموضوعية. غير أنني لا أخفي أنّي أترجم ما يوافق قناعاتي الفكرية؛ وبالتالي نادراً ما واجهتُ هذه المعضلة، ولكن حتى وإن حدث، فالمساحة المخصّصة في الهامش كفيلة بأن توضّح موقف المترجم من الفكرة.


■ كيف علاقتك بالكاتب الذي تترجمين له؟
- علاقتي بما أترجم علاقة حبّ ووفاء، حيث لا يمكنني إطلاقاً الشروع بترجمة أيّ نص من دون الاستئذان من الكاتب. وفي هذا السياق، أذكر مراسلاتي مع الفيلسوف الفرنسي جان لوك نانسي، حيث رحّب بترجمة مقال له أيّما ترحيب، بل وأرسل لي آخر إصداراته لاختيار المقال الذي أريده، ثمّ عرض عليّ ترجمة الكتاب بأكمله إلى اللغة العربية. 


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- ليست علاقة سهلة مطلقاً؛ لأن رغبة الكتابة ورغبة الترجمة تتصارعان بداخلي. وإلى حدّ الآن، خرجتْ أعمال الترجمة إلى النور، بينما لا تزال كتاباتي الأخرى عبارة عن مخطوطاتٍ في مسوّدة. وعلى الرغم من صعوبة موازنة هذه العلاقة، ولكنْ - صدقاً - هي علاقة مثمِرة إلى أبعد الحدود؛ حيث يجد فعل الكتابة زاده في فعل الترجمة.


■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- عموماً، تُعَدّ الجوائز عاملاً مُشجّعاً، يخلق التنافس بين المترجمين، وهي من ضمن العوامل المساعدة للنهوض بالترجمة في بلداننا، وتحسين مستواها وتنظيمها أيضاً. أتمنّى أن تكون سُنّةً حميدة في كلّ وطننا العربي.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- مشاريع الترجمة المؤسّساتية فكرة جيّدة، بشرط ألّا تتحيّز هذه المؤسّسات للمكان حيث توجد، وتفتح ذراعيها لكلّ المترجمين العرب أينما كانوا. كذلك لا بدّ من أن تتبنّى رؤية مستقبلية معيّنة؛ ماذا نترجم؟ لماذا نترجم؟ هل من تقييم للترجمات؟ كيف نحافظ على وتيرة منتظمة ومتواصلة كمّاً وكيفاً بحيث لا تحدث انقطاعات تؤدّي إلى تلاشي الأهداف المسطّرة؟


■ ما المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أوّلاً أقرأ النصّ في لغته الأصلية عدّة مرات. ثانياً أشرع بالترجمة في مسوّدة أولى. ثالثاً أعاود قراءة النصّ الأصلي والنصّ المترجَم، في الوقت نفسه، حتى أتبيّن مدى انسجامهما في المعنى. رابعاً أقرأ النصّ المترجَم وحده حتى تتبيّن لي وحدته من ناحية المعنى وتماسك أسلوبه. ثم تأتي عملية التنقيح، وهي أيضاً تجري على مراحل. ولا أرتاح إلّا إذا شعرت بروحٍ تسري في النصّ المترجَم، روح تدلّ على تلاحم في المعنى وعلى جمال اللفظ وتناسقه.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لا، أبداً. ما دام المترجم يقوم باختيار النصّ الذي يودّ ترجمته، فلن يندم أبداً. على العكس، قد يندم على نصوصٍ فاته أن يترجمها.


■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية، وما حلمك كمترجمة؟
- أتمنّى أن نترجم كلّ النصوص المهمّة التي نحتاجها لأجل النهوض بوطننا العربي ككلّ. والنهوض العِلمي يحتاج إلى ترجمة ما يصدر في مجال العلوم بأنواعها، أقصد القول إن الترجمة شحيحة في بلداننا عموماً، وهي على شحّها تتمحور حول الأدب غالباً، والفلسفة أحياناً. وهذا الإنتاج الأدبي والفلسفي وردَ من بيئة علومُها وتقنياتُها متقدّمة، فالجزء البسيط الذي نترجمه لا يستقيم من دون استيعاب الكلّ الذي يحتويه. هذا وأتمنى أيضاً أن نترجم كلّ النصوص التي تناولت ثقافتنا وتاريخنا، نجاحاتنا الماضية وخيباتنا الحاليّة، على جميع الأصعدة. وهذا مهمّ جدّاً لكي نفهم أصل الداء أين يكمن ــ ولمَ لا نعرف الدواء أيضاً؟


بطاقة
باحثة ومترجمة جزائرية من مواليد 1970 في الجزائر العاصمة. تعمل أستاذة في "جامعة أبو القاسم سعد الله - الجزائر2". حاصلة على دكتوراه في الفلسفة، وإجازة في اللغة الإنكليزية، إضافة إلى شهادة خبرة في اللغة نفسها من "المعهد الثقافي البريطاني". صدرت لها ثلاث ترجمات؛ هي: أمزجة فلسفية: من أفلاطون إلى فوكو" لـ بيتر سلوتردايك، و"حوارات هارفارد: حوارات فلسفية حول الفلسفة الأميركية المعاصرة"، و"كورونا من زاوية فلسفية"، الذي يضمّ مقالات لعدد من الأسماء الفلسفية المعاصرة. كما صدر لها كتابٌ بعنوان "يورغن هابرماس: من الحداثة إلى المعقولية التواصلية" (2016).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون