مفكرة المترجم: مع أحمد ليثي

02 مايو 2022
أحمد ليثي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أتحسّس خطواتي مع كلّ كتاب جديد"، يقول المترجم المصري أحمد ليثي في حديثه إلى "العربي الجديد".


كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
قد أزيّف كلامًا وأقول إنّني كنت أحلم بأن أصير مترجمًا منذ صغري. لكنّك لن تصدّقني أيضًا إذا قلتُ لك إنّ نشر أوّل قطعة مترجمة لي جاء بالصدفة، وذلك حين طلب صديقٌ من يتطوّع لترجمة مقال منشور في المحتوى الإنكليزي لأحد المواقع، فترجمتُه بالفعل. والمفاجأة أنّ الموقع راسلني ليطلب منّي نشر الترجمة في المحتوى العربي الخاص بهم. بالطبع، عزّزتُ مستواي بالعديد من الدورات في اللغة الإنكليزية، ودورات الترجمة. لكن حكايتي مع الترجمة بدأت بشرارة انطلقت من دون أن أدري.


ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجماتي المنشورة هي رواية "قوّة الطبيعة" للكاتبة الأسترالية جين هاربر، والتي صدرت مطلع هذا العام عن دار "عصير الكتب". أنهيتُ ترجمة الرواية الأولى لكاتب جنوب أفريقي واعد يُدعى ماركوس لو تحمل عنوان "ملاذ"، وهي قيد التحرير حاليًا، وأعتقد أنّها ستصدر قريبًا، وأعمل الآن على الجزء الثاني من رواية "المئة" للكاتبة الأميركية كاس مورغان، وهي رواية خيال علمي تحوّلت إلى مسلسل شاهده الملايين عبر العالم.


ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
حتى الآن، لم أقابل عقبات بصفتي مترجمًا عربيًّا، ولا أؤمن بأنّ اللغة العربية ينقصها الكثير من المفردات والتعبيرات، لكنّ المشكلة تكمن في تكاسُل أهلها. لكن بعيدًا عن العقبات المتوقّعة، مثل صعوبة النص نفسه، أو الوصول إلى مراد الكاتب مثلًا، قد تكون العقبات في الرقابة السياسية للبلاد العربية التي ترفض تداوُل كتاب ينتقدها أو ينتقص من صورتها عند مواطنيها.

مبدأي الأساسي هو نقل الكتاب إلى العربية وكأنه كُتب بها


هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
بالطبع، أحتاج إلى عين ثانية بعد ترجمة النص، ولا أدفع بالكتاب إلى الناشر إلّا بعد مراجعة، لمرّتين على الأقل، ومروره على من أثق بهم. لكن، بشكل عام، وظيفة المحرّر في العالم العربي وظيفة حديثة، ولم تُوضع أسس ثابتة لها حتى الآن. لا نعرف، مثلًا، إلى أيّة درجة يمكن للمحرّر أن يتدخّل في النص المترجم، وهل يمكن أن يحذف فقرة أو جملة لأنه رأى أنّها لا تهمّ القارئ العربي.


كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
علاقتي مع الناشر جيّدة، وهو أمر مهمّ لسير عملية الترجمة ككلّ. لكنّ معظم الناشرين هذه الأيام يتعاقدون على أعمال يرون أنها قد تحقّق نجاحًا، وقد يستقبلون اقتراحات المترجمين الذين يثقون بهم. أرى أنّ اقتراح المترجم أمر ضروري للغاية، لأن المترجم حين يحبّ عملًا ما، فمن المؤكّد أنه سيبدع في ترجمته.


هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
لأنّني مهتم بالأدب، ولم أترجم غيره، لا أضع اعتبارات الكاتب السياسية في الحسبان. وفي الحقيقة أتجاهلها إذا كان العمل جيّدًا، لكنّني لن أترجم رواية تدعو إلى العنف، أو تحرّض على العنصرية، أو تضرب عرض الحائط بالقيم الإنسانية. كما أن هناك العديد من الروائيين المبدعين لهم آراء سياسية لا نتّفق معها، آخرهم بيتر هاندكه الذي حصل على جائزة نوبل؛ فقد أنكر مذبحة سربرنيتسا التي راح ضحيتها ثمانية آلاف مسلم بوسني، ومَجّدَ مجرمي الإبادة الجماعية وأيّد المذابح العرقية، لكن لا يمكن ألّا نترجم أعماله.


كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
قد أتواصل في بعض الأحيان مع الكتّاب الذين أترجم لهم. في رواية "ملاذ"، تواصلت مع ماركوس لو لأنه كان يرفق أبياتًا شعرية في بدايات الفصول، وأردتُ أن أعرف إن كانت هذه الأبيات له أم لشعراء يفضّلهم. وفي أحيان أُخرى، أجد أنّ التواصل مع الكاتب قد يعيق عملية الترجمة، لأنه في هذه الحالة سيتدخّل في عملي.


كثيرًا ما يكون المترجم العربي كاتبًا، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
يقولون إنّ المترجم الجيّد قد يكون كاتبًا جيّدًا، لكن العكس غير صحيح. ومن الطبيعي أن يكون أيُّ مترجم صاحبَ أسلوب في ترجمته، بل يُعاب عليه في بعض الأحيان عدم تملّكه لأسلوب يتفرّد به عن المترجمين الآخرين. كما أنّ هناك الكثير من المترجمين الذين ليس لهم إنتاج أدبي. لكنّ الاهتمام ما يفرض نفسه، فحين أكون مترجمًا ومهتمًّا بالأدب، من الطبيعي أن أكتب الأدب.


كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجوائز أمر جيّد في كل الأحوال، لأنها تُلقي الضوء على أعمال من المهمّ قراءتها، لكن لا يجب أن يكتفي القرّاء بالأعمال التي نالت جوائز وشهرة فقط. هناك أعمال لم تنل حظّها من الجوائز، لكنها جيّدة للغاية، بل تفوق أعمال نالت جوائز. في النهاية هي ذائقة لجنة، كما أنّ اختيار لجنة لكتابٍ ما لا يعني أن منافسه سيئ.


الترجمة عربيًا في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
صحيح أنّ مشاريع الترجمة عشوائية، لكن ما السبيل إلى تنظيمها وعدد دور النشر في العالم العربي صار كبيرًا للغاية؟ لذلك، تعتمد الترجمة على الأفراد، وأعتبر المترجم الكبير صالح علماني مثالًا على ذلك، إذ كان مؤسّسة وحده. وأرى أنّ ما يخلّ بمشاريع الترجمة المؤسّساتية هي العشوائية نفسها التي تضرب مشهد الترجمة كلّه رغم كثرة الكتب المترجمة، فهذه المشاريع حتى الآن، لم تنقل الكتب الأساسية في مجالها حتى الآن إلى اللغة العربية.


ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
لا أعتقد أن ثمّة قاعدة في الترجمة، فأنا أرى نفسي مترجمًا يتحسّس خطواته الأولى مع كلّ كتاب جديد. لكنّ المبدأ الأساسي لي هو نقل الكتاب إلى العربية وكأنه كُتب بها، وأتمنّى أن أوفّق في ذلك، خاصّة أن الترجمة الأدبية عسيرة للغاية، فقد تكون هناك كلمة معروفة المعنى، لكنّها لا تعطي معناها في السياق الذي أمامي. ولا يوجد لي عادات في الترجمة، كلّ ما أهتم به فقط هو أن أكون صافي الذهن، ولا أقبل بأن أترجم عملًا على جهاز غير اللابتوب الخاص بي.


كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
في الحقيقة، لم أندم على ترجمة أيّ نص، فكل نص كنت أتعلّم منه شيئًا جديدًا، والحال أنّني لم أترجم نصوصًا سيّئة حتى أندم على ترجمتها. أرى أنّ كل نص وكتاب أعمل عليه في الوقت الحالي يمكن أن يكون خطوة لكتاب أفضل.


ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أن تُنقل إلى العربية أعمال من كافّة لغات العالم الحية، هكذا تتطوّر اللغة وتتّسع، وتزداد الأعمال العربية من لغات كانت قبل عشر سنوات فقط لا يهتم بها أحد، كالصينية التي تترجم منها يارا المصري، والبرتغالية التي يترجم منها سعيد بنعبد الواحد، والألمانية التي يترجم منها سمير جريس. 


بطاقة
مترجم وكاتب مصري، من مواليد عام 1989 في القاهرة، صدرت له ترجمتان: "قبل انهيار العالم" (2019) عن "منشورات الربيع"، ورواية "قوّة الطبيعة" (2022) لـ جين هاربر عن "عصير الكتب". وتصدر له قريبًا رواية "ملاذ" لـ ماركوس لو.

 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون