استمع إلى الملخص
- بدأ خضيري مسيرته في الترجمة بشغفه بالأدب الإنجليزي، ونشر أعمالًا مثل "أساطير وقصص إيطالية"، ويعمل حاليًا على ترجمة كتب لـ ليوناردو دافينشي.
- يواجه المترجمون العرب تحديات مثل صعوبة النشر، ويطمح خضيري إلى توسيع فرص النشر والاعتراف بالمترجم كمبدع لإثراء المكتبة العربية.
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية. "أعتقد أنّ المترجم أفاد من الشاعر والكاتب بداخلي"، يقول المترجم المصري الحسين خضيري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- هواجس عدّة تشغلني، لعلَّ أكثرها إلحاحًا وأقضّها لمضجعي بل مضاجع كلّ العرب عامّةً والمبدعين على الأخصّ، هذا العدوان الذي يوشك أن يبتلع أماننا وأمننا وسلامة أوطاننا. لذا قمت، ومنذ فترة ليست بالبعيدة، بإعداد أكثر من كتاب عن فلسطين الأبيّة، فلسطين الكرامة والعزّة، أحدهما سمّيته "القدس في الشعر العالمي"، تناولت فيه بعض القصائد التي تغنّت بالقدس ومكانتها وقدرها عند شعراء من مختلف القوميات والجنسيات والأيديولوجيات، والكتاب الثاني الذي قمت بإعداده بعنوان "قرابين الحرّية.. فلسطين في الشعر العالمي"، انتقيتُ قصائد عدّة لشعراء عالميّين تغنّوا بفلسطين وغنّوا لها ولحرّيتها واستقلالها. وأتمنّى مستقبلًا أن أُدشّن عملًا أدبيًا آخر عن فلسطين، يناصر قضيتنا ويشير بأصابع العزّة إليها، كي تصل كلمتي لأكبر عدد من الناس، وكي يدرك كلّ عربي ما تعنيه وما يجب أن تعنيه فلسطين للإنسانية جمعاء.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- كانت بداية علاقتي بالكلمة شاعرًا، كتبت الشعر الفصيح، وعلى استحياء كتبت القصّة القصيرة، لكنّما عشقي للغة الإنكليزية ومطالعتي لآدابها وكتَّابها وجَّه قلمي بعد ذلك للترجمة. كان ذلك محض صدفة، فلم أعمد لأن أُصبح مُترجمًا، كنت فقط أقوم بقصّ ما أُترجمه لنفسي على أصدقائي المُقرّبين من الأُدباء والشعراء، ولما أبصرتُ فيهم إعجابًا وشَغفًا لِما أقصُّه عليهم، ولِما لمسته من إمتاع لي ولهم، أشرق في نفسي أن أقوم بكتابة ما أقرؤه عليهم؛ ليتسنّى لمن لا يجيد القراءة بالإنكليزية الاستمتاع بما أقرؤه وأقصُّه على أصدقائي، ثم شرعت في ترجمة القصص القصيرة وراسلت المجلّات الأدبية، ونُشرت لي أوّل قصّة قمت بترجمتها وإرسالها إلى مجلّة "سطور" التي كانت تترأّس تحريرها المترجمة الراحلة فاطمة نصر التي تلقّفت ما أُرسله بكلّ ترحاب ونشرت لي "الزهرة الأخيرة" التي كانت نواةً لأوّل مجموعة مترجمة صدرت لي عن سلسلة "آفاق عالمية" في "هيئة قصور الثقافة"، وكان يترأّس السلسلة آنذاك المترجم الراحل طلعت الشايب.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- صدر لي هذا العام "أساطير وقصص إيطالية"، وطبعة ثانية من "الزعيم الذي أحبَّ الأحاجي"، و"المسيح في الشعر العالمي". أقوم هذه الأيام بمراجعة بعض الأعمال التي انتهيت من ترجمتها بالفعل، كما أقوم بترجمة كتب لـ ليوناردو دافينشي.
الترجمة المؤسساتيّة تعرقل الإبداع أكثر ممّا تخدمه
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- جمَّةٌ هي العقبات، منها ما هو متعلّق بالعثور على كتب إنكليزية ورقية، ومنها ما يتعلّق بالنشر، وعن النشر حدِّث.. حدِّث ولا حرج.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- الحق أنّني أقوم بتحرير كتبي بنفسي، وفي بعض الأحايين تعرض دور النشر الكتاب على مدقّق لغوي، وليسوا سواء؛ فمن المدقّقين من أُقرّ له بالإجادة في عمله، خاصّة لو كان هذا المدقّق مبدعًا، شاعرًا على سبيل المثال، فهو يخدم النصّ، ولا يعيقه. وهناك من يجب عليك مراجعة عملك بعد أن يقوم بتدقيقه.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- عامّةً العلاقة طيبة، ومثلما أسلفت، ليسوا سواء، بعض الناشرين لا يتدخّل في عنوان الكتاب، وبعض الكتب لا تتطلّب تدخّلًا في العناوين أصلًا، لكن في بعض الأحايين يطلب الناشر تغيير اسم مجموعة قصصية مترجمة، فهو يرى أنّ اسمًا ما قد يكون أكثر رواجًا في سوق الكتاب، هذا من حقّه، على أن يتمّ ذلك بمراجعة المترجم ذاته، حدث هذا في كتاب "فستان أحمر" وهو مجموعة قصص قصيرة لكتّاب مثل ستيفن كرين ونادين جورديمر ومارك توين وغيرهم، وفي النهاية كلّنا يعمل لخدمة القارئ.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- أعتقد أن المادّة المترجمة لا تخضع لمعايير سياسية، لأنَّك أوّلًا وأخيرًا تُقدّم فكر غيرك لا فكرك أنت، فمجرّد تقديمه والإشارة إليه لا يعني انتماءك لهذا الفكر أو تلك الأيديولوجية. ما يطرحه الكاتب قد أتّفق معه وقد لا أتّفق، أنا مجرّد وسيط ما بين الكاتب الأجنبي والقارئ، لكن وجهة نظري أطرحها في مقدّمة كتابي، وليس لي أن أتدخّل في متن الكتاب المترجَم.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- أغلب مَن ترجمتُ لهم هُم كتَّاب كلاسيكيون، فمعظم ترجماتي مرَّ على كتابتها مائة عام أو أكثر، ونادرًا ما ترجمت كتبًا لكتَّاب معاصرين. حدث هذا مع روايتَي "باسم الأب والابن" و"جوته هايم" للكاتب المالطي إيمانويل ميفسود، وهما فائزتان بجائزة الاتحاد الأوروبي، وتواصلت مع الكاتب إبّان ترجمتي لرواية "جوته هايم"، وأذكر أنّني سألته عن جزئية تختصّ بالثقافة المالطية، فأجابني مشكورًا، وعندما أتى إلى القاهرة دعاني لمرافقته أثناء حفل تدشين الرواية في معرض الكتاب. وأذكر موقفًا تعرّضت له مع مترجم رواية "الصلاة في عصر التقنية"، فهي مترجمة للإنكليزية عن البرتغالية، راسلت المترجم البريطاني مثنيًا على ترجمته، فقام بالرد عليّ، وحين اشتبه عليَّ شيء ما في الرواية وسألته عنه، تجاهلني تمامًا ولم يرد! وقمت بترجمة ديوان شعر "غزليات عارف خضيري" المقيم في بروناي، وتواصلتُ معه أثناء الترجمة، أذكر أنّه صرّح قائلًا بأنّ هذه - بالنسبة له على الأقلّ - هي المرة الأولى التي يتواصل فيها مترجم مع كاتب، تواصلًا مثمرًا.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- أعتقد أنّ المترجم أفاد من الشاعر والكاتب بداخلي. تشهد بذلك اللغة التي أكتبها، فحين تترجم شعرًا أو نثرًا فأنت ولا ريب تنساب شاعريّتك على وإلى ما تكتب، واطّلاعك على الآداب العالمية وشعراء من كلّ بقاع المعمورة يثري ذائقتك، ويثري لغتك. غير أنّ الترجمة استغرقتني وأخذت من الشاعر بداخلي مكانًا وحَيّزًا لو أفسحتُهما له لكنتُ أغزر إنتاجًا كشاعر.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لا ريب في أهميّة الجوائز، فهي تدفعك لبذل المزيد والمزيد من الجهد، لا من أجل مزيدٍ من الجوائز، بل لأنّها تلقي عليك مزيدًا من المسؤولية على الأقل أمام نفسك. لكن في نظري الأهمّ من الجوائز انطباعات القرّاء عمّا تكتبه، وتواصلهم معك، أن يستشهد قارئ لا تعرفه بعبارة لك أو أن ينتقي أحدهم بيتًا كتبته ذات يوم، أو أن تصلك رسالة بريدية بها إطراء على كتابٍ قمت بترجمته، كلّ هذا يشعرك بأنّك لم تحرث في البحر، وأنّ ثمّة صدىً لما تكتبه.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- الترجمة المؤسساتيّة مليئة بالبيروقراطية التي تعرقل الإبداع ولا تخدم الدولة ولا المبدع ولا القارئ، مؤسّسات الترجمة تحتاج للكثير من العمل وتيسير الإجراءات، فالكتاب قد يستغرق سنين كي يصدر، وعليك أن تصبر سنين أُخرى حتى يصيبك دورك في النشر.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها باعتبارك مترجما، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أقوم بترجمة ما أُحبّ، فأنا قارئ قبل أن أكون مُترجمًا، فقد يكون الكتاب جيّدًا ويستحق الترجمة، لكنّه لا يستهويني في قراءته، فلا أُقبل على ترجمته. أمّا عن طقوسي المتواضعة، فهي بسيطة للغاية، ففي آخر الليل أجلس على رصيف منزلنا، بصحبة مذياع صغير، فلا أُترجم دون رفقة موسيقى أو صوت غنائي محبّب، كفيروز أو حليم أو فايزة أحمد أو أم كلثوم أو غيرهم، رفقة كوب شاي ساخن، لأطالع كتبي، وأحيانًا حين يدخل السأم إلى نفسي، أضع أمامي آخر ما صدر لي من كتبٍ أمام عيني، تحفيزًا لنفسي وطردًا للسأم.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم يعترِني ندم على ما قمت بترجمته قطّ، حتى الأعمال التي لم أستطع نشرها إلى الآن. كلّ ما ترجمته حبيب على نفسي.
■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك بصفتك مترجماً؟
- أتمنى أن يتّسع المجال في النشر أكثر وأكثر وأن ينال المترجم مكانته مبدعا، ففي أيام عزّنا ومجدنا كان الناس يَزِنون ما يُترجم بالذهب، والحال التي ترى فنحن ينقصنا الكثير، فبعض الدول تترجم في عام واحد أضعاف أضعاف ما نُترجمه في عشرات السنين! وحلمي أن أنتهي من ترجمة كلّ ما بدأته من ترجمات، وأن أنقل إلى العربية ما أستطيع ترجمته لإثراء المكتبة العربية وإرضاء القارئ العربي.
بطاقة
شاعر ومترجم مصري من مواليد الأقصر عام 1976. صدر له في الترجمة: "باسم الأب والابن" (2010) و"جوته هايم" (2014) لـ إيمانويل ميفسود، و"الزعيم الذي أحبّ الأحاجي: حكايات شعبية غرب إفريقية" (2018) لـ وسيسيليا سينكلير وويليام هنري باركر، و"بعد الحصار" لـ كوري دوكتورو (2022)، و"قرابين الحرية.. فلسطين في الشعر العالمي" (2023). وله في الشعر: "تراتيل المريد" (2006)، و"مُدن الغيم" (2009)، و"ليس في انتظاره أحد" (2019).