- يناقش أهمية الأعمال الإبداعية في مواجهة الظلم، مؤكدًا على قدرتها على تعزيز العاطفة الإنسانية وفهم الطبيعة النفسية للبشر، ويشير إلى تأثيرها الإيجابي على المدى الطويل.
- يعبر عن شعوره بالعجز والخزي لعدم قدرته على مساعدة أهل غزة بشكل ملموس، محذرًا من خطر الاستبداد ومؤكدًا على أهمية الوعي والتغييرات الصغيرة التي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
تشغلني عدّة أمور؛ الأمر الأول هو مراقبة كيف يمكن أن تحدث مآسٍ مفزعة لا تُصدَّق، وتُصوَّر وتُوثَّق، ويستمرّ إيقاع الحياة اليومية العادي، كقطار يسحق كلّ شيء في طريقه. الأمر الثاني الذي يشغلني هو معرفة ما يجب عليّ فعله، مهما كان ضئيلاً.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
في بعض اللحظات تعتريني كآبةٌ مفهومة ومبرّرة، لكني أحاول الاستمرار في عملي الترجمي. أنا متوقّف الآن عن الكتابة الروائية، وأظن أنه يصعب على الروائي أن يكتب في ظلّ متغيرات مخيفة بهذا القدر، ويحتاج إلى وقت لاستيعاب ما يحدث. أحاول الحفاظ على صحّتي النفسية والعقلية بالبُعد في بعض الأحيان عن مشاهدة الصور الدموية، مع التأكّد من متابعة ما يحدث والاستماع إلى تحليلات وقراءة مقالات عن الأمر. ما يحدث يُعيد تشكيل المنطقة كلّها، وربما العالم، وعلى المرء الانتباه بقدر الإمكان. باختصار، أحاول أن أستمرّ في أعمالي اليومية، مع التأكّد من قيامي بواجبي وفهْم ما يحدث، لأن التوقّف عن العمل قد يُعرّض حياتي النفسية والعقلية والمادية إلى مخاطر.
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
العمل الإبداعي عموماً لا يُؤثّر في العالم تأثيراً مباشراً وسريعاً. كما أن الأعمال الإبداعية والفنية، باختلاف أنواعها، لا تخدم بالضرورة الإنسانية في مواجهة الاستبداد والظلم. الأمر يتعلّق هنا بنوعية العمل الإبداعي. بعض الأعمال الإبداعية من حيث الشكل والتكوين، تجعل الإنسان أشدّ قابلية لقبول المظالم من حوله؛ تُسلِّيه وتعزله عن الواقع، تغرقه في بعض صنوف النزعات الفردية المريضة. لكن هناك أنواعاً أخرى من الأعمال الإبداعية تقدّم للمرء فهماً أعمق لطبيعة المجتمع من حوله، وتزيد من عاطفته الإنسانية تجاه المتألّمين والمسحوقين، وتزيد من فهمه لعمليات البشر النفسية المعقّدة. هذه النوعية ممكنة ومحمودة، لكنها لا تترك تأثيراً مباشراً على موازين القوى، إلا بقدر ما يحاول المتأثّرون بها بعث تأثيراتها النفسية والعقلية فيهم في أفعال عملية على أرض الواقع.
ماذا نقول لأناس يبادون على بعد مئات من الكيلومترات؟!
■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
سأختار المجال الإبداعي بلا أدنى شك. هذا ما أستطيع فعله، وهذا ما يلائم شخصيتي وإمكاناتي.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
لم أعد قادراً على تصوّر تغيير ضخم للأفضل قد يحدث في العالم قريباً. كلّ ما أريده وأحرص عليه، أن ألعب دوراً إيجابياً وملائماً، بحسب إمكاناتي، لإضافة بعض الخير إلى هذا العالم، ولو بقدر ضئيل. ثمة أمرٌ صار واضحاً لي تماماً؛ تغيير نفسي للأفضل، ومساعدة الدائرة القريبة مني على فعل ذلك، هو أهم ما يمكنني فعله. هذه التغييرات الصغيرة تجتمع في وقت ما في موجات ضخمة لتحدث بعض التغييرات التي قد تكون إيجابية.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
تولستوي بلا أدنى شك. لن أقول له شيئاً. سأحرصُ على مرافقته ومراقبته في صمت.
مناصرة الإنسان العربي لنظمٍ استبدادية ستعود عليه بكوارث
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
بكلّ صدق، لا أجرؤ على توجيه كلمة واحدة إليهم. إننا في حالة خزيّ وهوان غير معقولة، وأشعر أن توجيه كلمةٍ من شخص مثلي إليهم سيبدو تبجحاً. ماذا يمكن أن يُقال لأناس يبادون على بعد بضعة مئات من الكيلومترات ولا نحرّك ساكناً؟!
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
أنت مُعرَّض في كلّ لحظة لأن تمرّ بظروف مشابهة لما يحدث في فلسطين والسودان وغيرهما.. لا تتصوّر أنك آمن. مناصرتك لنظمٍ استبدادية، مهما كانت ضئيلة، ستعود عليك بكوارث، آجلاً أم عاجلاً. الحكومات والأنظمة تصرف المليارات على غسيل دماغكَ ودماغي، وكلّ ما عليك فعله هو أن تفيق من غيبوبتك وتدركَ ماذا يفعلون بنا، وحينها ستتغيّر أمور كثيرة.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
لا أقوى على قوْل شيء. لو كان بإمكاني لمسحتُ دموعهم أو قدّمت لهم طعاماً وعزاءً أو فديتهم بحياتي من أجل أن يحيوا حياة أخرى أفضل، ولفعلت ذلك في صمت.
بطاقة
كاتب روائي ومترجم مصري من مواليد 1987. تخرّج من "كلية الألسن" (قسم اللغة الروسية) بالقاهرة عام 2008. يترجم من الروسية والإنكليزية، وقد صدرت له العديد من الترجمات، من بينها: "صبي مع المسيح عند شجرة عيد الميلاد" لـ فيودور دوستويفسكي، و"عن العصيان ومقالات أُخرى" لـ إريش فروم، و"طريق الحياة" لـ ليف تولستوي، و"الحرس الأبيض" لـ ميخائيل بولغاكوف، و"حكايات من أوديسا" لـ إسحاق بابل، و"أخوية الآلام" لـ أليكسي ميخائيلوفيتش، و"على حافة العالم" لـ نيقولاي ليسكوف.