مع غزّة: محمد المصباحي

10 أكتوبر 2024
محمد المصباحي
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني الباحث المغربي من الإحباط والعجز عن الكتابة بسبب العدوان على غزة، لكنه يحاول فهم طبيعة الكذب والعدوان الصهيوني، مشيرًا إلى أن تدمير الذات الفلسطينية هو تدمير للذات اليهودية المحتلة أيضًا.

- يرى الباحث أن الإبداع في مواجهة الإبادة الصهيونية يبدو غير فعال، لكن مقاومة غزة تفتح طريق الإيمان بالحق، حيث نقلت فكرة الحق الفلسطيني من الثبوتية إلى الوجودية.

- يعبر الباحث عن رغبته في إنهاء وجود الغرباء الصهاينة في المنطقة العربية، ويتمنى تعدد الأقطاب عالميًا، مشيدًا بصمود شعب غزة وأطفال فلسطين.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية. "أحدثت (معجزة) أكتوبر الدهشة التي ينتظرها المبدعون والفلاسفة، وأربكت السياسة، وفتحت طريق الإيمان بالحقّ والوعي بالمصير"، يقول الباحث المغربي لـ"العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
هاجس الإبادة التي يمارسها الكيان بشكلٍ مستمرّ وبلا هوادة.


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
كان للإبادة الجماعيّة التي تمارسها "إسرائيل" يوميّاً بكلِّ صفاقة على سكّان وذاكرة ومستقبل غزّة تأثيرٌ متضادّ؛ من جهة شعور بالضيم والإحباط وحتى العجز عن الكتابة، إذ ما معنى أن تكتب في عالمٍ لم يعُد يأبه لقتل الإنسان بغيرِ حقّ؛ ومن جهةٍ ثانية، نشأ لديّ شعور بواجب تحويل الإحساس بهذا الظلم الفادح إلى تحليلٍ عقليّ من أجل فهمه. وبالفعل، أدركتُ من ناحية أن الكذب هو طبيعة أنطولوجية للصهيوني المحتلّ وللمتحالِفين معه؛ ومن ناحية ثانية، إن قول بعضهم "الأنا هو الآخر" (ليفيناس) صالحة في كلّ مكان بالنسبة لليهودي ما عدا فلسطين، حيث تم استبدالها بمقولة أُخرى "الأنا لن تكون إلّا بإلغاء الآخر". لكن بتدمير اليهودي المحتلّ لذات الآخر الفلسطيني يدمّر ذاته، عملاً بمقولة الذات هي الآخَر.


إلى أي درجة تشعر بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
أمام حرب الإبادة التي يقوم بها الصهاينة، يبدو الإبداع لغواً في لغو، فالفرق جذريّ بين فعل المقاومة والحلم بها وهماً وخيالاً، فرق بين فعل المقاومة بالسلاح وفضح الطغيان الأميركي الصهيوني بالكلمة. الإبادة المنهجية لشعب غزّة لا تسمح بالإبداع. مقاومة غزّة حدثٌ تاريخي أثار التاريخ وحرّض على الاستيقاظ من الغفلة والبدء من جديد بداية جديدة. أحدثت "معجزة" أكتوبر الدهشة التي ينتظرها المبدعون والفلاسفة، وأربكت السياسة، وفتحت طريق الإيمان بالحقّ والوعي بالمصير، الذي هو الطريق المضمون للنصر. وبلغة المتصوّفة نقلت المقاومة في غزّة فكرة الحقّ، حقّ الوجود الفلسطيني، من شيئيته الثبوتية إلى شيئيته الوجودية.

شقّت معجزة أكتوبر طريق الإيمان بالحق والوعي بالمصير


لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
لو قُيّض لي البدء من جديد لاخترتُ أن أكون رسّاماً لتوظيف موهبتي الفنّية لرسم لوحة لخراب غَزّة تُضاهي لوحة غيرنيكا لبيكاسو. أما السياسيّ فلا يسعه سوى إصدار البلاغات التي لا غنى عنها. لعن الله البلاغات و"البلاغيين"! والحكم نفسه يجري على مُحترِفِي نضالات حقوق الإنسان التي أصبحت حِرفة مبتذلة. في مقابل ذلك كلّ فعل إبداعيّ يرفض التسخير والإذعان لأوامر الكفيل هو فعل شريف.


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
التغيير الأول الذي أُريده، ولا أنتظره، هو أن تخلو المنطقة العربيّة من الغرباء الصهاينة، لأنهم لا يحبوننا ولا نحبهم، ولا نقبل بهم أن يكونوا ضيوفاً ثقلاء علينا. أملي أن تختفي الدولة الظالمة والشريرة من منطقتنا إلى الأبد. التغيير الثاني الذي أتمناه هو نهاية القطب الواحد في العالم، واستبداله بتعدّد الأقطاب، لأننا سئمنا من تغوّل الولايات المتحدة وطغيانها. 


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 
الشخصية الإبداعيّة المقاومة التي أودّ لقاءها هي الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي سأقول له إنه عبّر بصدق عن روح الوجود الفلسطيني المتناقض، وعن مصيره، وأنَّ نبوءته عن غزة والإنسان الغزيّ كانت صادقة وفعّالة في التاريخ.

الكذب طبيعة أنطولوجية للصهيوني المحتلّ وللمتحالِفين معه


كلمة تقولها للناس في غزّة؟
أقول لشعب غزّة إنّكم وضعتم تاجاً فوق رؤوسنا، قلبتم علاقة "العبد والسيّد"، وأخرجتم كلّ الشر الصهيونيّ الذي كانوا يخفونه بمساحيق الديمقراطية وبالقيم الغربية، وأظهرتم للجميع مدى همجيّة وبربريّة الصهاينة المحتلّين ومدى حقدهم على الإنسانية جمعاء. لقد برهنتم أنّهم كل يوم يُرذلون أمام العالمين، لقد حرّرتم اليهود الشرفاء من إرهاب الدولة الإسرائيليّة، وفضحتم بعض الفلاسفة والمفكّرين الغربيّين، هذا علاوة على فضحكم لمن هُم مثلهم في العالم العربي.


كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
من الخلاصات التي لاحت لي من "معجزة غَزّة" أنَّ الإنسان العربيّ قد يكون هو أمل الإنسانية في إيقاظ ضميرها؛ للتحرّك لرفع الظلم العظيم الذي أحدثه الغرب للشعوب المستضعفة في كلّ أرجاء العالم. إنَّ صبر الإنسان الغزّي هو بمثابة تضحية من أجل الإنسانية جمعاء، بمن فيهم اليهود الرافضون للاحتلال الإسرائيلي ومجازره المخزية. 


حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
أًحبّكِ يا دارين؛ لأنكِ وكلّ أطفال غزّة تبرهنون بألَمِكم، وبابتسامتكم وبلعبكم العفوي والبريء، وبعدم فقدانكم الأمل بالرغم من فداحة خسارة أهلكم، بأنَّكم شعب الله المختار، وليسوا أولئك القتلة الظالمون. أملنا كبير فيكم بأن تعيدوا الكَرّة تِلو الكَرّة إلى أن تتحرّر فلسطين كلّها.


بطاقة
باحث وأكاديمي مغربي من مواليد القصر الكبير عام 1945، أستاذ التعليم العالي بقسم الفلسفة بكليّة الآداب في "جامعة محمد الخامس" بالرباط. من مؤلفاته: "دلالات وإشكالات" (1988)، و"تحولات في تاريخ الوجود والعقل" (1995)، و"جدلية العقل والمدينة في الفلسفة العربيّة المعاصرة" (2013)، "الذات في الفكر العربي الإسلامي" (2017)، و"في الحق والعدل عند ابن رشد" (2024)، "من أجل تجديد التنوير الإسلامي" (2024).

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون