- تتأثر حياتها اليومية والإبداعية بشكل كبير، حيث تصبح كتاباتها وسيلة للتعبير عن القهر والظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، مؤكدة على أهمية زيارتها الأخيرة لفلسطين في تعزيز التزامها بالقضية.
- تؤكد على دور العمل الإبداعي في مواجهة الظلم وتوثيق الأحداث، معتبرة القلم سلاحًا قويًا لكشف الحقائق وتشكيل وعي المجتمع، وتختتم برسالة أمل وتضامن مع أطفال فلسطين، مؤمنة بالنصر والحرية.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "خذلناكم كثيراً ونحن نواصل الحياة وكأنّ أمركم لا يعنينا"، تقول الكاتبة العُمانية في لقائها مع "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- أقسى هاجس يشغلني هذه الأيام وأنا أتابع ما يجري من أحداث مشحونة بالإبادة والدمار، محقونة بالماء والدخان، هو أنّ الإنسان أصبح أرقامًا تتزايد ولا حدّ لها من تناثر الهشيم وتصاعد الدخان. أشعر أمام هذه المشاهد التي تتوالى علينا على شاشات التلفاز أنّ المجرم الصهيونيّ أينما كان فاقد للرحمة ومتعطّش للدمار؛ فهو كالنار العطشى التي تريد المزيد من الأطفال والنساء والشباب والرجال كي يكونوا وقودًا لها. أشعر بالخيبة والخُذلان، وأنَّنا كعربٍ لا قيمة لنا ولا رأي ولا إرادة. شعوب تُصارع الألم ترتجي الأمان والسلام والاطمئنان؛ بينما قادتها يغمرهم الجبن والخوف والنفاق أمام جبروت العالم، وحبّ الكراسي الهزّازة ووجاهة الرئاسة. تيقَّنت أنّ معاني الإنسانية غائبة في زمن الدمار والبطش، ولا توازيها سوى التصريحات المنمّقة، والمواقف الخجولة، والمؤتمرات المزركشة أمام فجيعة اليتامى والثكالى والأرامل والشهداء.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- أصبحتُ أقلَّ شغفًا وأملًا وحيويَّةً، وأكثر وجعًا وألمًا وعزلةً مع تتبّع الأخبار والتصريحات والمشاهد، كرهت محيطي وتوجّست من عالمي الذي أحبّ؛ وأيقنت أنّني لا أملك كامرأة عربيّة وصاحبة قلم سوى الرأي والحبر الذي أسطره على ورقة بيضاء مدادها من الرماد والدم.
بدايةً كنتُ أكتب عبارات معطوبة خجلى، أُسطّر معانيها بأسى وخجل على قنوات التواصل؛ وفي عزلتي وبين حاسوبي أكتب نصًّا لعلَّه يصل لفلسطين التي عُدت من أحد بقاعها قبل شهورٍ بسيطة، كانت بالنسبة لي زيارة الحلم التي أكرمني الله فيها برؤية رام الله وما يحيط بها، حتى كانت زيارة التحدّي والمشقّة للقدس والصلاة في محراب مسجدها الأقصى بدعوة من وزارة الثقافة الفلسطينية. كان هذا النصّ يسير في ضفّة حالمة دافئة عازمة، وآل بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى وجهة أُخرى انقلبت فيها كلّ الموازين والمعايير، حتى أصبحت الكتابة لامرأةٍ مثلي موصودة الأبواب، إلّا عن القهر والشتات والضياع لمن حَوَّلت أجسادهم الإبادة الصهيونيّة والعالميّة - التي لا علاقة لها بالإنسانيّة - إلى موائد للافتراس، وأرواحهم مآذن للهمجيّة.
■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- إلى حدٍّ كبير، فلا شيء على هذه البسيطة يؤرِّخ الحياة، ويفضح المؤامرات، ويجسد المشاهد، ويكشف المساعي كما العمل الإبداعي - مهما كان نوعه - فالقلم هو الترجمان الذي يُفصح عمّا يستطيع قوله الحكيم عندما تختلّ العدالة الإنسانية، ويُوصل الحقيقة بما يكتنزه حبره من قدرةٍ كاشفةٍ وشفيفةٍ وصادقةٍ من خلال مرآة الإنسان والتقاطاته. يبقى القلم هو خليفة الأحداث الزمنية عبر الأمكنة بين دفّتَي كتاب محفوظًا؛ موثّقًا بالكلمة والصورة، بالرأي والوجدان، بالمعاني والفكر، بالحقيقة والحلم من رحم المكان، وعتق الزمن. ويبقى الخلود للقلم الإنساني الصادق الذي يُعرّي واقع الحال في فترة زمنيةٍ ما. ويبقى الكاتب الملتزم هو وريث الأبرياء، وخليفة الله في الأرض.
علّمتمونا، أطفالَ فلسطين، أنّ التمسّك بالأرض فضيلة
■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- من وجهة نظري المتواضعة فإنَّ المجال الإبداعي هو جزءٌ لا يتجزَّأُ من النضال القوميّ، والمعترك الإنسانيّ والمنخرط السياسيّ. بمعنى أنَّ الإبداع هو الذي يستطيع تشكيل ونحت وجهةٍ إنسانيةٍ تتحقَّقُ فيها العدالة والحريّة والمساواة. فهذه كلّها قضايا تدور في الدائرة نفسها، وتتصارع في الحلبة الإنسانية ذاتها. فالكاتب الملتزم والمثقّف هو الذي يعيش إشكاليات واقعه، ويستلهمها من مرجعياته، لذلك نراه يكتب لأجل النضال، ويرحل مع الوجود، ويشخص حال الإنسان، وهو بهذا يدخل ضمن المعترك السياسي، والنشاط الاجتماعي. وما النص الإبداعي - سردًا أو شعرًا، متخيلًا أو ذاتيًا - إلّا سليل رؤية الكاتب وقناعاته ورؤاه.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- عالمٌ بلا حروبٍ، بلا بطشٍ، بلا قهر، تكسوه العدالة والمساواة والحرية لأجل إنسانية الإنسان. لا حزبية، ولا طائفية، ولا إثنية. هذا حلمي الذي أنتظره، وأعلم أنّه صعب التحقّق والمراد. فنحن نصارع حياتنا في عالم مأزوم من أجل البقاء بعزّة وكبرياء.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟
- أودّ لقاء الأمير والمجاهد والشاعر والمؤرخ أسامة بن منقذ (488 - 584هـ)، الفارس الذي توسّد وسادة العدوِّ ونام على سريره؛ لما يتمتّع به من جرأةٍ وبسالةٍ وكرامة، خاصّة أنّه جمع بين ثقافة الشرق والغرب، ولأنّه جمع عبر رحلته العُمريّة الطويلة العديد من الأنساق الثقافية. أحاوره ليعلّمني كيف نواجه الصعاب أمام طريق مليئة بالأشواك، سأسله عن أبرز صفات جنود الصليبيّين وعاداتهم وطباعهم، وسأطلب منه تلقين العرب درسًا في مواقف الصمود والإباء والكبرياء، وسأحرّر معه لقاء يكشف فيه عن الأسباب التي قادتهم لدخول بيت المقدس، وأخيرًا، رأيه في طريق الخلاص الذي يقودنا للنصر، ودخول بيت المقدس أمام مجريات الأحداث.
كأنَّنا لا نرى هذه المجزرة المدمّرة والمقتلة المستمرّة
■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
- لقد خذلناكم كثيرًا، ونحن نواصل الحياة وكأنّ أمركم لا يعنينا، وكأنَّنا لا نرى هذه المجزرة المدمّرة، والمقتلة المستمرّة. لقد تعلّمنا منكم دروس الحياة في الصبر على الابتلاء، والعيش بشموخ النبلاء، والكرامة عند الابتلاء، والتعفّف مع ضيق الحياة. أكتب هذه السطور ونحن على مشارف العيد، فأقول: العيد أن نراكم بخير، بلا دمارٍ يعصفُ بكم ولا إبادةٍ تحرمنا منكم، وأن تحتضنكم فلسطين، جميعًا، بلا شتات.
■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- لا تنجر وراء أكاذيب السياسة، فلو كان في الحُكّام خيرًا لساروا بنا إلى حرّيتنا وكرامتنا وشموخنا. ولاستطعنا إحياء الحضارة وقيادة العالم وإيقاف مجازره، بفضل ما نملكه من كوادر عربيّة. كلّنا يعاني ويقاسي الألمَ والجوع، ولكنَّنا كشعوبٍ لا حول لنا ولا قوّة.
■ حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
- لكِ حقُّ العِتاب وإرسال الكلمات المُوَبِّخة. نرفع لكم القبعة أطفال فلسطين، وتحيّة كبيرة لكم من عُمان، فقد علّمتمونا أنّ التمسّك بالأرض فضيلة، واليقين بالنصر شهادة، وأنّ العزيمة والهمّة هما سرّ بَقاء الإنسان بكرامة وإباء. لكم الأمل والحلم والنصر، ولنا العجز والخذلان.
سيأتي اليوم الذي نمشي فيه خلف أطفال فلسطين الشرفاء. سيتجدّد الوطن العربيّ بكم، وسنحصد بذور غرسكم عند منعطف الزمن الأخضر الذي يعدنا بالنصر القادم والمستقبل الجميل. فنحن لسنا سوى على باب حلمٍ أخضر ظلاله القلب، وكلماته منسوجة ببذور الروح باسم جراح فلسطين، سيثمر صمودكم بأغصان ثمارها يانعة على الأرض ببساط أخضر، ورائحتها من زكاء دماء خطوات الجهاد الطويل.
بطاقة
كاتبة وأكاديمية عُمانية من مواليد عام 1970. حاصلة على دكتوراه في النقد الأدبي الحديث من "جامعة تونس الأُولى". صدر لها في الرواية: "أرض الغياب" (2013)، و"أصابع مريم" (2020)، وفي القصة: "ظلال العزلة" (2014)، و"موج خارج البحر" (2016)، وفي الشعر: "نجمة الليل الأخيرة" (2022)، ومن إصدارتها في النقد الأدبي: "الذات في مرآة الكتابة" (2019)، و"الخطاب السردي العُماني: الأنواع والخصائص (1939 - 2010)".