تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- هواجس كثيرة ومتعددة الأوجه. هاجس القلق والترقب والمتابعة لجديد الأخبار التي أتعبتنا ألمًا وأتعبناها متابعة وترصّدًا. هاجس المستقبل المجهول لمئات الآلاف من البشر الأبرياء الذين يحبّون الحياة ويريدون مثلنا ومثل كل البشر أن يحيوها بكل متعها الصغيرة والبسيطة التي نعاملها نحن معاملة المسلمات. هاجس اليأس الطاغي الذي يغالب بصيص الأمل المنبثق من أكوام الركام والدمار والموت الذي انفتحت أبواب شهيته عن آخرها.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- كان تأثيره طاغيًا بحيث عطل وشل مجريات حياتي الروتينية اليومية فيما عدا ساعات العمل التي لا بد ولا فرار منها. كان التسمر أمام شاشة التلفزيون روتينًا يوميًّا لا مفر منه. أعني لا بد منه لمعرفة ما يحدث وما يستجد من الأخبار، فضلًا عن متابعة بعض مواقع السوشيال ميديا وردود الأفعال الشعبية العربية والعالمية على المذبحة التي لم تنته فصولها حتى الآن للأسف الشديد.
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- لا أدري عن قدرة العمل الإبداعي على مواجهة الحرب والإبادة التي ما فتئت فصولها القبيحة والشنيعة تتكشف يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة. ربما يكون وسيلة تعبير عن الألم والتضامن والوقوف إلى جانب المظلومين والمقهورين الذين يُراد لهم أن يلعبوا هذا الدور ويحبسوا وراء قضبانه إلى الأبد.
أطفال بأعماركم فقط ونحن تلاميذ خائبون في حضرتكم
■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- لا أتخيلني أبدًا في المجال السياسي بكل تأكيد، والأكيد أنني ما زلت أبحث عن نفسي في المجال الإبداعي، أو هكذا أزعم وأتمنى.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- التغيير الذي ينتظره ويحلم به كل الحالمين المدركين والموقنين بأن الأحلام وفية لمعدنها الذي صيغت منه وهو الأوهام التي لا تقبض عليها يدان ولا تبصرها عينان. أن تكون كلمة العدل والحق والجمال هي العليا في وجه الظلم والباطل والقبح.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
- أريد أن ألتقي بشخصية إبداعية مقاومة من المستقبل وأريد أن أقول لها: لا تنظر وراءك وتشبث بجمرة الأمل مهما أحكم اليأس وِثاقه حولك!
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
- ما أبهاكم وأجملكم وأصدقكم وأعزكم وأقواكم وأصلبكم. أنتم الآن تسطرون دروسًا في الصمود والإيمان والتشبث بالأرض والحق يتعلّم منها العالم أجمع. لم يعد العالم بعد أن عرفكم كما كان قبلكم ولن يكون.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- لم أفقد الأمل بك رغم كل ما حدث ويحدث وما لم يحدث بعد.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
- نحبكم ونواري أوجهنا خجلًا منكم لأننا عاجزون أن نمد لكم يد العون أو أن نكون مثلكم. أنتم أطفال بأعماركم فقط ونحن تلاميذ خائبون في حضرتكم.
بطاقة
شاعرٌ ومترجم سعودي من مواليد الإحساء عام 1970. صدر له في الشعر: "لي ما أشاء" (2008)، و"لا قبلها من نساء ولا بعدها من أحد (2013)، و"عشاء وحيد لروحي الوحيدة" (2020)، و"لا تترك الليل وحده" (2022). ومن ترجماته: "خزانة الشعر السنسكريتي" (2012)، و"لست زائراً عابراً لهذا العالم" (2015)، و"عسل الغياب: قصائد مختارة لمارك ستراند" (2017)، و"أخبار الأيام" لبوب ديلان (2017)، و"موجة سوداء في بحر أبيض" (2019)، و"في معنى أن نموت" (2021)، و"مثل آدم في جنّته: قصائد مختارة لماري أوليفر" (2021)، ورواية "الوعد" لديمون غالغوت (2023).